ثقافتنا محبة وتسامح وانفتاح

ت + ت - الحجم الطبيعي

توقفت عند هذه الكلمات المضيئة التي أكد عليها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عند لقائه بالشباب، وكأني به يؤكد على الثوابت التي قام عليها اتحاد الإمارات العربية، ويوضح سر نجاح المسيرة الحافلة لدولتنا المعطاء، ويؤكد في الوقت ذاته مفاتيح وعناصر قوة دولة الإمارات، والأسباب التي جعلت لها تلك المكانة بين الأمم.

إن أولها بالأساس المحبة التي تجعل الفرد يتصالح مع ذاته، ثم مع أسرته، ثم مع مجتمعه والعالم من حوله، هذه المحبة التي نشأ على أساسها الاتحاد، فاجتمعت الإمارات السبع على قلب رجل واحد بقوة المحبة، التي صنعت للوطن والمواطنين حاضرا مشرقا، ومسيرة تحقق كل يوم نجاحات بعد نجاحات، ومستقبلاً أشد إشراقا واطمئنانا، هذه المحبة التي تأصلت في الضمير الوطني، ودق على بابها قادته دقا منتظما حتى فتحت أبوابها على مصاريعها أمام ينابيعها، لينهل منها أبناء الإمارات قيادة وشعبا، وليجدوا فيها مصدر القوة وقوة الفعل، وفعل الخير الذي عاد إلى خزائنها فازدادت، لينهل منه الآباء والأبناء مرة أخرى، وكأنها حلقات متصلة لا تنقطع، ونبع لا ينضب، وهذه سنة الله في كونه، فمن يزرع العنب لا يجني الحنظل، ومن ينثر الخير لا يجد إلا السلوك الراشد والفعل الطيب، هكذا هي الإمارات دوما، ولأن من شب على شيء شاب عليه.

لذا ترعرع أبناء الوطن على هذا السلوك، حتى بات ما يناقضه من فعل صادم لكل أبنائه، وصاحبه كمن يغرد خارج السرب، ولكي لا أتهم بالمبالغة، أو رسم صورة تبدو وكأنها حالمة، ولا مانع من الحلم، وما الحقائق التي نعيشها إلا حسبها البعض منذ عقود قليلة أنها محض أحلام، أقول الشاهد على ذلك هي تلك الهزة الكبيرة التي تقع في نفوس أبناء الوطن عند حدوث حالة اعتداء أو قتل أو انتهاك لخصوصية أو حرمة أحد الأفراد تجد حالة من الرفض، ووقوف أبناء الوطن لحمة واحدة أمام أي منها، كذلك عند حدوث مصاب لأحد أبنائه والمقيمين على أرضه.

أذكر ذلك الحديث من أحد الأصدقاء، حديثي الإقامة بالدولة، مندهشا حين هبت الدولة قيادة ومسؤولين أمام حادثة الحريق التي فقد بسببها أسرة من أبناء الوطن واتخذت القرارات والاحتياطات والتأمينات التي من شأنها عدم تكرار تلك الحادثة، حتى إنها بعثت حالة من الهبة الفكرية التي جعلت من تأمين المنازل ضد الحرائق مشاريع للعديد من طلاب الجامعات والمعاهد العلمية بالدولة، فإذا به يقول الآن عرفت سر تلك اللحمة العجيبة بين قيادة الدولة وشعبها، وعرفت سر قوة دولة الإمارات العربية، إنها تلك المحبة التي وضع لبنتها زايد وإخوانه، طيب الله ثراهم أجمعين، وسار على دربها الخلف عن السلف، حتى باتت إرثا ثقافيا ومعلما من معالم الشخصية الإماراتية، ولأن قوة الدولة الحقيقية تأتي من قوة فكرها المحدد لحركتها، ثم بعد ذلك تأتي معينات القوة الفكرية ووسائل إعلانها ونشرها.

تخطت الإمارات حدودها الوطنية بقوة عطائها، وباتت نموذجا في العطاء الإنساني النابع من مسؤولية أخلاقية لشعب الإمارات تخللت بين العظم واللحم، وسلوك تقوم به القيادة للشعب من منطلق المحبة لا من منطلق المن أو المباهاة، على الرغم من أن المباهاة في تلك المواقف الأخلاقية محمودة ومطلوبة، ونتيجة منطقية لهذه الثقافة جاءت قوة التسامح باعتبارها متسقة مع ما قبلها، فمن نشأ على التصالح مع النفس ومحبة الغير يقدر على التسامح، من هنا يأتي التسامح من مصدر القوة وعنوان التمكن، والإرادة، وإباء النفس وشموخها، وملامح المنعة والعزة، وهو الامر الذي جعل الإمارات العربية المتحدة دوما تعلو فوق الصغائر وسفاسف الأمور، وتتسامى على زلات الآخرين، إيمانا منها أن التسامح قوة لا يتقنها إلا الواثقون القادرون على الفعل، المالكون لإرادتهم.

وبهذا وذاك يأتي الانفتاح على الغير استنادا إلى تاريخ حافل، وارتكازا إلى منظومة قيمية وحضارية صلبة، قادرة على الفرز والانتقاء من منطلق الأخذ والعطاء، التأثير والتأثر في عالم لم يعد من الممكن أن تغلق فيها الأبواب أو تنعزل عن العالم، وإلا أصبحت خارج السياق الإنساني المنطقي، وهو الضعف بعينه، ولا أجد إجمالا لذلك التفصيل أوضح مما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من أن «ثقافتنا هي هوية أجيالنا، وعمق لتاريخنا، ورسالة للعالم نريد أن ننقلها بوسائل أكثر إبداعا، ثقافتنا الإماراتية تحمل روح المحبة والتسامح، وتدعو للانفتاح على الآخر، وتستمد روحها وهويتها من الحضارة العربية والإسلامية».

Email