كوريا الشمالية والأنف الدامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبيل الخطاب الأخير للرئيس دونالد ترامب عن حالة الاتحاد، أوردت محطة «سي إن إن» الإخبارية نبأ عن أنه ستكون هناك بعض الأخبار البارزة والمثيرة عن كوريا الشمالية.

ثم أدلى ترامب في خطابه ببعض الملاحظات المثيرة عن الجهود الأميركية لردع برنامج الأسلحة النووية لبيونغيانغ بطريقة تظهر أنه جاد في معالجة هذه المشكلة.

وحذر من أن سعيها الدؤوب للحصول على صواريخ نووية يمكن أن يهدد أمن الولايات المتحدة، وأن إدارته تشن حملة كبيرة لممارسة أقصى الضغوط للحيلولة دون حدوث ذلك.

وقد علمتنا التجارب أن الخنوع وتقديم التنازلات للعدو تثير لديه مشاعر الاستفزاز والعدوانية، وهذا يدل على وجوب عدم تكرار أخطاء الإدارات السابقة التي وضعت البلاد في هذا المأزق الخطير.

ويتعين إطالة النظر إلى نظام الحكم الشيوعي الفاسد لفهم طبيعة التهديد النووي الذي يمكن أن يشكله لأميركا وحلفائها.

ولكن يبدو أن بيونغيانغ ماضية في إصرارها في الحصول على السلاح النووي، وحتى الدعوات الموجهة إلى الكونغرس في أن يفعل شيئاً إزاء ذلك، يبدو أنها لا تلقى أي أصداء. وبصورة جادة، ما هي التشريعات المطلوبة للمساعدة على ضمان أن المساعدات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة يجب أن تخدم دائما المصالح الأميركية، بأن تذهب فقط إلى أصدقاء أميركا بغض النظر عن طبيعة حكمهم.

وفي أحسن الأحوال، فإن الجزء المثير للدهشة هو المفهوم الضمني القائل بأن كوريا الشمالية لا يمكن ردعها لأنها «شخصية فاسدة». وكما حذر المسؤولون مراراً وتكراراً مؤخراً، فإن بيت ترامب الأبيض يبدو متأكداً بصورة مروعة بأنه لا يمكن ردع كيم جونغ أون، وبالتالي هناك حديث متواصل عن توجيه ضربة «الأنف الدامي» إليه.

لذلك يستحق العناء ملاحظة أن أهم الخيارات المتعلقة بسياسة الولايات المتحدة تجاه كوريا الشمالية مؤخراً، ليست خطاب حالة الاتحاد، بل هي هذه القضية المتعلقة بالتهديدات النووية لكوريا الشمالية.

والاختيار السابق للبيت الأبيض لسفير أميركي لكوريا الجنوبية من غير المتوقع أن يحدث الآن بعد أن عبر عن معارضته بصورة مواربة أواخر ديسمبر الماضي لسياسة إدارة ترامب تجاه كوريا الشمالية، وذلك بحسب أشخاص مطلعين على هذه المسألة.

وكان فكتور دي تشا، وهو أكاديمي خدم في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، قد أعرب لدى اجتماعه مع مسؤولين في مجلس الأمن القومي الأميركي، عن مخاوفه من توجيه ضربة محدودة للدولة الشمالية دون إثارة حرب أوسع، وهو مفهوم ينطوي على مخاطر كبرى، ويعرف باسم «استراتيجية الأنف الدامي».

ويجادل بعضهم بأن الخسائر الأميركية، وحتى حرب أوسع في شبه الجزيرة الكورية، تستحق أخذها بالاعتبار، بالنظر إلى ما هو على المحك. لكن الضربة (حتى لو كانت أكبر حجماً) ستقتصر فقط على تأخير برامج بناء الصواريخ والبرامج النووية، وهي مدفونة في أماكن عميقة وغير معروفة ولا تستطيع القنابل الخارقة للتحصينات اختراقها. وأي ضربة لن تستطيع تحجيم تهديد انتشار الأسلحة النووية، لكنها بدلاً من ذلك تفاقمه، محولة أي مسعى من كوريا الشمالية لتحقيق تجارة رابحة إلى جهد تواق للانتقام.

أنا أتعاطف شخصياً مع الأمل الذي وفره بعض المسؤولين في إدارة ترامب والمتمثل في أن أي ضربة عسكرية سوف تهز كيان كوريا الشمالية وتحمله على الاعتقاد بأن بيونغيانغ سوف تقيم قوة الولايات المتحدة، بعد سنوات من التراخي الأميركي، وتجبر نظام الحكم على الجلوس على طاولة مباحثات نزع الأسلحة النووية. كما آمل بأنه في حال ثأرت كوريا الشمالية من ذلك عسكرياً، فإن بإمكان واشنطن أن تتحكم بسلم التصعيد لتقليل الأضرار الجانبية وتمنع انهيار الأسواق المالية. وعلى أي من الحالتين فإنه من البديهي أن أي ضربة أميركية من الضروري أن تبرز تصميم واشنطن على اتباع الخيارات الضرورية كافة لتمريغ أنف كيم الزئبقي، وإلا فلن يردع طموحاته النووية أي شيء.

Email