الإعلام الوطني ووطنية الإعلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع قيام دولة الإمارات العربية المتحدة وعمليات التنمية التي تتم بشكل متسارع في كافة الميادين، كما إن الواقع اليومي للمواطن والمقيم بات سريع التغير على المستوى الاقتصادي، وفي الوقت الذي كانت تتم عملية البناء بوتيرة غير مسبوقة لتعويض ما فات من سنوات كانت قاسية عانى فيها المواطن من مشكلات عدة، صاحب ذلك حالة من التسامح للمجتمع الإماراتي حيال مختلف الثقافات والأعراق التي هي بالطبع تمثل أنماطاً مختلفة من القيم والسلوك، الأمر الذي تطلب أن يكون هناك سياج حام وإطار حافظ للقيم الوطنية الأصيلة في ظل تنوع ثقافي غير مسبوق.

من هنا جاءت أهمية الإعلام الوطني، سواء كان مطبوعا عبر الإصدارات الصحفية التي صاحبت نشأة الاتحاد، أو الإذاعة المسموعة، والتي وكل إليها أن تكون صوتا للدولة يعبر عن مبادئها، وإن تكون النافذة التي يطل منها الشعب على النشاط الحكومي، وكذلك قناة موصلة لصوت الناس في وقت معا، باعتباره الصوت الأمين لهم ولقضاياهم، وإيجاد حوار بين المسؤولين والمواطن ليطمئن إلى أن صوته مسموع، هذا على المستوى الوطني.

أما على المستوى الإقليمي فقد عملت الإذاعة المسموعة «الراديو» والمرئية «التلفزيون» على ربط المواطن بقضاياه العربية، والاهتمام بالبرامج التي تهدف إلى الحفاظ على القيم التي قام عليها الاتحاد، فضلا عن الاهتمام بالمواد الثقافية التي تثري الفكر وترتقي بالفنون والآداب، ورفع الوعي السياسي لدى الشعب تجاه مختلف القضايا الوطنية والإقليمية والعالمية.

ولتلك الغاية كان الاهتمام بإنشاء وكالة أنباء الإمارات العربية المتحدة «وام» 1977، لتكون رافدا للأخبار المحلية والدولية، ولتكون مرآة صادقة لواقع التطور المتسارع للدولة، وكذلك إضفاء حالة من التجانس الإعلامي بين اتحاد الإمارات السبع وإطلاع أبناء كل إمارة على ما يحدث على صعيد الوطن، في الوقت الذي ترك فيه المجال مفتوحا لكل إمارة في تطوير بنيتها الإعلامية وخدماتها الإذاعية والتليفزيونية عبر مختلف اللغات.

ولا شك أن تلك البنية الإعلامية أسست لجيل إعلامي من الكوادر الوطنية القادرة على التعبير عن طموحات الدولة والتعبير عن روح جديدة تسري في جسد الوطن بإماراته السبع فيزداد بهاء وجمالا وبناء وحضارة ونموا وازدهارا فكانوا الأقدر على التعبير عن ذلك.

ولا شك أن المنظومة الإعلامية للإمارات، شأنها شأن مختلف المنظومات المكونة للمجتمع، تتأثر بالحالة المجتمعية وتؤثر فيها، كما إن الاستقرار الذي يتمتع به شعب الاتحاد انعكس على الخطاب الإعلامي، الذي حرص على أن يبتعد عن المصالح الضيقة الآنية، مفضلا الحديث عن القضايا الكلية الجامعة، والبعد عن الإثارة والخوض في الشائعات، والتزام المصداقية، واحترام الخصوصية.

كما إن قوة البنية الإعلامية للإمارات العربية المتحدة جاءت من فتح آفاق للقطاع الأهلي بالدخول إلى المجال الإعلامي والاستثمار فيه، الأمر الذي انعكس على جودة ما يتم تقديمه شكلا ومضمونا نتيجة للتنافس الذي أتاح بيئة جاذبة.

بالإضافة إلى ذلك فإن القيم الإماراتية كان لها أثر كبير في السياسات الإعلامية المؤطرة، والتقدم الكبير في البنية التحتية للإمارات كان له أثر كبير في التطور في مجال تكنولوجيا الاتصال، حتى صارت الإمارات مركزا للعديد من المنصات الإعلامية العالمية، ما أدى إلى تنوع الخيارات أمام الجمهور، وإن هذا التعدد ساعد في تجويد حركة الإعلام الوطني والسعي الدائم إلى وجود قاعدة تشريعية قادرة على التعامل مع تلك الحالة المتجددة بتجدد وسائل الاتصال ذاتها، هذا غيض من فيض.

تلك المسيرة الناجحة بكل المقاييس، والتي تتطلب من تلك المنظومة الوطنية، بقطاعيها الرسمي والخاص، من أن تتحمل مسؤوليتها الوطنية في أن تكون مدرسة إعلامية بنكهة وطنية تحمل رسالة الإعلام المسؤول اجتماعيا، تلك المسؤولية التي تتطلب الممارسة الواعية، التي تجمع أبناء الوطن وتحرص على قيمة الاتحاد، منظومة تحمل دورها كأداة لتنمية الوعي ونشر الثقافة والفنون الرفيعة، مسؤولية تسعى إلى تكوين جيل من الكوادر الوطنية وإكسابها المهارات التي تمكنها من التعامل مع التسارع الكبير، سواء على مستوى الممارسة والأوعية الحاملة للرسالة، مسؤولية تلزمها المساهمة في حفظ الممارسة ببنية تشريعية تحافظ على حرية الإعلام وتنأى بها عن سوء الممارسة وخاصة الجديد منها.

إن الإعلام الوطني ووطنية الإعلام هما السبيل إلى الحفاظ على المكتسبات والارتقاء بالممارسة والجمهور المتلقي للرسالة.

Email