بنس يتطلع لرئاسة أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك عوالم محدودة يؤدي تواجد مايك بنس نائب الرئيس الأميركي فيها إلى إجراء اتصالات دبلوماسية عالية المستوى في الشرق الأوسط ومثيرة، وأي اتصالات من هذا النوع هي التي تقودها القوة العظمى بقيادة دونالد ترامب. ولسوء الحظ هذا هو العالم نفسه التي يضع فيها ترامب البطاقات الدبلوماسية الأميركية على الطاولة ويكشفها للجميع، وحتى السياسي المخضرم وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر مستعد لبذل الجهود في مثل تلك الظروف.

ومع إعلان الرئيس الأميركي في ديسمبر الماضي أن بلاده ستنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، فإن زيارة بنس لإسرائيل أخيراً بدت كأنها تصريح لزيارة مستشفى. وبالتأكيد، فإن خطاب بنس في الكنيست الإسرائيلي تمت مقاطعته من قبل النواب العرب في الكنيست الذين حملوا لافتات يعلنون فيها أن القدس عاصمة لفلسطين، وقد خطف رجال الأمن تلك الشعارات وأزالوها بسرعة، وبعد ذلك تم إبعاد هؤلاء النواب من القاعة.

ولم يثن ذلك من عزم بنس الذي تظاهر بالتواضع الشديد وهو يلقي كلمته أما ما وصفه بالديمقراطية النابضة بالحيوية، وأكد أن نقل السفارة الأميركية سيتم قبل نهاية 2019. وسواء تمكن النواب العرب المطرودون من سماع كلمته أم لا، فإن هذا لا يقدم شيئاً ولا يؤخر بشأن تصميم واشنطن على تنفيذ وعدها.

ولا يبدو أن ترامب يتمتع بحوكمة معقولة، أو مباشرة. فقراره بنقل البعثة الدبلوماسية إلى القدس يظهر أسلوب تفكيره الذي يظهر عنصراً واحداً من الاتفاق المستقبلي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بينما يتم حل بقية بنود الاتفاق في حينه. وهو فن صفقة ما قبل الصفقة أو شيء من هذا القبيل.

وربما التطورات الأخيرة في كوريا الشمالية دفعت لتبني هذا الأسلوب، مع تلميح ترامب أن استجابته المتشددة لتهديدات كيم جونغ النووية دفعت بيونغيانغ للموافقة على إجراء محادثات سلام مع كوريا الجنوبية.

ومع ذلك، وحتى لو وضعنا جانباً مسألة أن أسلوب ترامب سيثبت نجاحه في نهاية المطاف في تحويل كيم جونغ إلى رعديد ومسالم، أو أن الديمقراطيين سينصاعون لإصرار الرئيس الأميركي على قراراته بشأن مشروع دريمر، فإن ذلك لن يثير شكوكاً كبرى حول ما إذا كان اتباع نهج قاس في التعامل مع التجارة من الضروري أن يترجم جيداً في دبلوماسية واشنطن في الشرق الأوسط.

ومما لا شك فيه أن معظم الفلسطينيين لم يعودوا يؤمنون بفكرة أن أميركا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً في المنطقة. وحقيقة عدم اجتماع بنس بالسلطة الفلسطينية خلال زيارته الأخيرة تعتبر مؤشراً قوياً على انهيار العلاقات بين الجانبين. وصورة حرق المحتجين الفلسطينيين لصور نائب الرئيس في بيت لحم وإعادة تأكيد بنس على الالتزام الأميركي بحل الدولتين (في حال اتفاقهما على ذلك) تلقى آذاناً صماء.

وقرار واشنطن أخيراً بخفض تمويلها إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هو برهان آخر بالنسبة للفلسطينيين بأن إدارة ترامب منحازة بالتأكيد إلى جانب واحد، وهو الجانب الإسرائيلي.

ويبدو واضحاً ميول بنس تجاه إسرائيل، فهو يقول إن قضية الإسرائيليين هي قضية الأميركيين بحسب إحدى حملاته الدعائية قبيل الانتخابات. وبعد فوز ترامب تطوع نائب الرئيس الأميركي لنقل الالتزام الأميركي المطلق تجاه الحليف الإسرائيلي. وهذا يعكس وجهة نظر المسيحية الإنجيلية التي ترتكز عليها قاعدة ترامب وتعتبرها عنصراً مهماً في الحوكمة.

وعلى أي حال فإن زيارة بنس لإسرائيل وتأييده القوي لتل أبيب ربما يمهد لعزم نائب الرئيس الأميركي على خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة بدعم اللوبي الصهيوني.

Email