طاولة محمد بن زايد والسيسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجولا معاً ثم جلس الاثنان في أحد المطاعم، ملأت صورتهما دنيا التواصل الاجتماعي، صارت حديث الشارع الإماراتي والمصري، لقطة جديدة للتاريخ بعدسة المستقبل، حديثهما المتبادل، أطلق العنان لخيال الساسة، وأشعل بورصة التوقعات حول موضوع الحوار، تباينت التوقعات واختلفت عناوينها، لكن الطاولة الصغيرة بالمطعم، لا تزال تحتفظ هذه المرة ببصمات خاصة، وتتفرد عن مثيلاتها، وسوف يشار إليها دائماً بأنها «طاولة» محمد بن زايد والسيسي، المشهد الذي جمع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، في جلسة بعيداً عن المشاهد الرسمية، إنما يعكس عظمة القادة في التواضع، ويصل رحم العروبة الموصول وهناً على وهن.

نعم الإمارات ومصر دولة واحدة وشعب واحد، ليس شعارات براقة، ولكن هذا ما وقر في قلوب القادة تاريخياً، ويصدقه العمل في الحاضر والمستقبل.

صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يؤكدان ذلك دائماً، من خلال مواقف حقيقية واقعية، الهدف واحد، والتحدي مشترك، مباحثاتهما الأخيرة مع الرئيس السيسي، تناولت العديد من الملفات والقضايا الحيوية المشتركة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، وسبل تنميتها، لتحقيق مزيد من التعاون والتنسيق الاستراتيجي بين البلدين، بما يخدم مصالح الدولتين والشعبين الشقيقين، خاصة في ظل الأزمات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، فضلاً عن مواجهة التحديات المختلفة المتعلقة بمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، فمصر تدعم استقرار منطقة الخليج، وتعتبر أمن الخليج جزءاً طبيعياً من الأمن القومي العربي والمصري، وأيضاً دولة الإمارات لا تدخر جهداً في دعم الإرادة المصرية والحفاظ على مسارات مفهوم الدول الوطنية.

هذه الزيارة المختلفة، وهذه المباحثات المثمرة على صعيد التعاون المشترك، إنما هي مياه متجددة في نهر العلاقات الإماراتية ـ المصرية، التي ترجع إلى ما قبل عام 1971، الذي شهد اتحاد الإمارات السبع في دولة واحدة، هي دولة الإمارات العربية المتحدة، تحت قيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والتي دعمت مصر فكرتها، وأيدت بشكل مطلق الاتحاد الذي قامت به الدولة.

وكانت مصر من بين أولى الدول التي اعترفت بالاتحاد الجديد فور إعلانه، ودعمته دولياً وإقليمياً، كركيزة للأمن والاستقرار، ويسجل التاريخ للشيخ زايد، أنه الرجل الذي غرس التوجه نحو مصر بكل الحب والتقدير، وإذا غاب كل شيء، فلن يغيب عن التاريخ، الموقف العروبي الشجاع للشيخ زايد في حرب أكتوبر المجيدة، عندما قال إن البترول العربي ليس أغلى ولا أثمن من الدم العربي، وسخّر كل إمكانات بلاده لدعم المقاتل العربي في تلك الحرب، ليتحقق النصر أولاً، وليضرب مثالاً رائداً في التضامن العربي، ما زال حياً إلى يومنا هذا.

ورثت القيادة الإماراتية الحالية، هذا الميراث الكبير في تاريخ العلاقات الإماراتية المصرية، من خلال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، إيماناً بحتمية التضامن العربي، وقد تمثل ذلك في الدعم السياسي الإماراتي لمصر بعد ثورة 30 يونيو، عبر موقفها الذي تجلى في مبادرة الشيخ خليفة بن زايد، بالاتصال بالقيادة المصرية الجديدة، معرباً لها عن عزم الإمارات الوقوف إلى جانب مصر ودعم شرعية مطالب شعبها، وعقب ذلك، قيام وفد إماراتي رفيع المستوى بزيارة مصر، في رسالة سياسية إماراتية شجاعة وعلنية، تؤكد للعالم أجمع، انحياز الإمارات المطلق لما قام به شعب مصر العظيم، من إسقاط حكم جماعة ظلامية إرهابية، والحفاظ على الهوية المصرية، وإقامة نظام مدني حضاري، يعيد مصر إلى دورها العروبي والإقليمي والعالمي من جديد.

نعم، قدمت الإمارات كافة أشكال الدعم لمصر في الظروف الصعبة التي مرت بها، ونعم نكرر مرة ثانية، إنها «مسافة السكة»، كما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، معبراً عن مدى الجاهزية والتلاحم والوحدة بين مصر والأشقاء في الخليج.

Email