التنمية المستدامة في بعدها المجتمعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في منتصف الخمسينات من القرن الماضي أطلقت الأمم المتحدة مفهوم التنمية، ورسمت آفاقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ذلك أن العالم الذي خرج من الحرب العالمية الثانية وما سبقها من حروب وتوترات بدأ يشهد استقراراً وينحو نحو السلام والبناء والتقدم.

ثم أخذ مفهوم التنمية بشكلها التقليدي يتعمق ويتصاعد من خلال المؤتمرات والخطط التي تبنتها الأمم المتحدة، خصوصاً بعد أن استجابت دول العالم الثالث لمنهج التنمية وآفاقها والتطبيقات العملية ضمن تجاربها التي أكدت أن لا غنى للبناء والعصرنة والتقدم دون اتباع الخطط التنموية في أطرها المختلفة الرامية إلى تحسين ظروف المعيشة وظروف حياة أفضل للفرد والمجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية.

وقد عرّف إعلان (الحق في التنمية) الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1986 عملية التنمية، بأنها عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد والتي يمكن عن طريقها إعمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

أما مفهوم التنمية المستدامة، فأول من أشار له بشكل رسمي هو تقرير (مستقبلنا المشترك) الذي أصدرته اللجنة العالمية للتنمية والبيئة المشكلة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1987.

وهناك تعريفات عديدة لهذا المفهوم منها أن التنمية المستدامة هي التي تفي باحتياجات الحاضر دون التقليل من قدرة أجيال المستقبل على الوفاء باحتياجاتها.

وهي عملية وليست حالة، وبالتالي فهي مستمرة ومتصاعدة تعبيراً عن احتياجات المجتمع وتصاعدها، فالتنمية عملية مجتمعية يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات ولا تعتمد على فئة قليلة، أو مورد واحد.

وقد وضع قادة العالم في قمة أممية تاريخية في أيلول من عام 2015 سبعة عشر هدفاً للتنمية المستدامة بدأت بالقضاء على الفقر وانتهت بعقد الشراكات لتحقيق الأهداف، مارة على البيئة والتعليم ونمو الاقتصاد والمناخ والطاقة النظيفة وغير ذلك من أهداف هي مطمح كل الشعوب.

ولعل دولة الإمارات كانت وما تزال حريصة على مواكبة كل القرارات المتعلقة بالتنمية منذ أن كانت في إطارها التقليدي، وحتى أصبحت في إطارها الجديد كتنمية مستدامة تحث الخطى من أجل كل ما يهدف لإسعاد شعبها وضمان مستقبل أجيالها وتمكين المجتمع ليساير حركة التطور العلمي والتكنولوجي وبناء تجربته الحضارية وفق أعلى المقاييس العالمية، كما فتحت الفرص واسعة أمام الشباب ليساهموا في البناء وأعطت خصوصية فريدة للإبداع والابتكار.

إن التنمية المستدامة في تركيزها على الأطر المجتمعية من حيث إنها عملية مجتمعية تساهم فيها كل فئات المجتمع وكل القطاعات والجماعات، لا بد وأن يتم التعريف اللازم لها ليأخذ كل دوره في العمل التنموي المستدام، وأن على المؤسسات التعليمية والثقافية والجمعيات ذات النفع العام أن تجعل من مفهوم التنمية المستدامة برنامجاً تثقيفياً لتتضافر الجهود المجتمعية مع جهود المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية لتحقيق التفاعل الذي يدعم هذه التنمية ويقويها.

إن واحدة من أهم سمات التنمية المستدامة هي السعي لتحقيق المكاسب والإنجازات للأجيال القادمة، وهو هدف عظيم علينا جميعاً أن نسعى لتحقيقه، وهو أيضاً هدف يبدأ من الأسرة التي تغرس مفاهيم العلم والمعرفة والعمل الجماعي في ذهن الطفل ليشب مدركاً لدوره في البناء، وعليه فهذا اعتبار اجتماعي بامتياز، فقبل نمو المصانع يجب أن نعمل على بناء الأجيال، خاصةً ونحن في زمن بات الخوف فيه على أولادنا مشروعاً في ظل نظام العولمة وتحدياتها الكثيرة.

ومن أهداف البيئة التعليم الجيد، ولا يمكن للمؤسسات التعليمية أن تنجز هذه المهمة لوحدها دون تعاون الأسرة، أي بالتعاون المجتمعي الهادف إلى عبور التلميذ مراحله الدراسية بنجاحٍ وتفوق.

وتحتل البيئة مكانة مهمة ضمن الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة، ولا يمكن أن تحرز الدول تقدماً في موضوع البيئة ما لم يكن للجهود المجتمعية دور فاعل فيها، فالإنسان أينما يكون هو خبير بيئته وحارسها وراعيها، وإن أي تخلخل في نظام البيئة يعود بالضرر على الإنسان نفسه، من هذا المنطلق يكون الوعي الجمعي في موضوع البيئة مسانداً وداعماً لما يتحقق من إنجازات للمؤسسات المعنية بالبيئة، فهي وحدها لا تستطيع أن تعمر البيئة وتجعلها صالحة للحياة دون أن يكون للمجتمع دور في الفهم والتعاون.

فالتنمية المستدامة هي تنمية مجتمعية تبدأ بالإنسان وتنتهي بالإنسان.

 

 

Email