أكبر شمس اصطناعية في ألمانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يختلف على أن الطاقة هي عصب الحياة بعد أن ارتبطت بجميع الأنشطة، التي يمارسها الأفراد والمجتمعات على اختلاف درجة تطور دولها.

ويرتبط بموضوع الحاجة المتزايدة باستمرار للطاقة ما بدأت تتركه الاستخدامات الواسعة لأنواعها المختلفة من تأثيرات ضارة بهذا القدر أو ذاك على البيئة وما يتوقع من مخاطر تلوح في الأفق على الأمدين القريب والبعيد، والتي بدأت تشكل هاجساً مقلقاً على المستوى العالمي في ضوء دراسات أجريت في مراكز علمية متخصصة في دول عديدة تراكمت على مدى سنوات طويلة.

هناك محاولات تجري في معظم دول العالم لمقاربة هذه القضية يواجه بعضها طرقاً سالكة من حيث حصولها على الدعم اللازم إدارياً ومالياً. وتلقى الأفكار الجديدة عادة فرصاً أفضل من أفكار التطوير المحدود أو التحسين الطفيف لطرائق قائمة ومعروفة، ومن ضمن الأفكار الجديدة التي وجدت دعماً رسمياً في ألمانيا ما ظهر إلى العلن.

أواخر مارس المنصرم أدار علماء ألمان في معهد الأبحاث الشمسية التابع للمركز الألماني لأبحاث الطيران والفضاء في مدينة «جوليتش» مفتاح التشغيل لأكبر شمس اصطناعية صُممت لأغراض البحث العلمي من أجل إنتاج وقود صديق للبيئة هو الهيدروجين، الذي يعتبره خبراء الطاقة أحد أبرز المرشحين للإستخدام كونه وقوداً للمستقبل، وقد أطلقت تسمية «سينليت» على هذا البرنامج.

جاذبية الهيدروجين كونه وقوداً تكمن في كفاءته أولاً وصداقته للبيئة ثانياً، فالطاقة المتحررة من حرق كيلوغرام واحد منه تعادل تقريباً ثلاثة أضعاف الطاقة الناتجة عن حرق كتلة مساوية من وقود الديزل أو الغاز الطبيعي، هذا إضافة إلى أنه لا ينتج ملوثات للهواء عند حرقه، فهو ينتج بخار الماء فحسب وهذا يعني أنه لا يضيف إلى الاحترار العالمي.

يستخدم الهيدروجين السائل من قبل وكالة الفضاء الأميركية ناسا كونه وقوداً في عملية إطلاق المكوك الفضائي ويستخدم كذلك لدى بعض شركات صناعة الطائرات في تجاربها لإنتاج طائرات ذات سرعات عالية جداً. مع أن الهيدروجين هو العنصر الذي يحتل المرتبة الأولى في توافره بالكون ويحتل المرتبة العاشرة في توافره على الأرض إلا أن من النادر الحصول عليه حراً في الغلاف الجوي.

وذلك لقدرته على الإفلات من الجاذبية الأرضية لخفة وزنه، إلا أنه يوجد بوفرة كونه عنصراً في مركبات واسعة الانتشار مثل المياه والهيدروكاربونات وغيرها.

هناك طرائق عديدة للحصول على الهيدروجين إلا أن التحدي الرئيسي يكمن في إيجاد وسيلة خفض كلفة إنتاجه لجعله منافساً للوقود التقليدي. ولعل أكثر الوسائل الشائعة لإنتاجه هو تحليل الماء إلى عنصريه، الأوكسجين والهيدروجين،.

ولكن الطريقة المتبعة لذلك وهي التحليل الكهربائي مكلفة حتى في حالة استخدام ألواح الخلايا الشمسية أو استخدام التيار الكهربائي الناتج من تحويل طاقة الرياح إلى طاقة كهربائية. إنتاج الهيدروجين بكميات كبيرة عن طريق استخدام الطاقة المتجددة يعتبر إحدى المقاربات الهامة في مواجهة أزمة التردي في الوضع البيئي للتقليل من استخدام الوقود الأحفوري.

ويأمل الباحثون في برنامج «سينليت» في تجاوز مرحلة استخدام الطاقة الكهربائية نحو استخدام الطاقة الحرارية لفصل الماء إلى عنصريه. الشمس الاصطناعية توفر شدة ضوئية على المساحات التي تسلط عليها تعادل عشرة آلاف مرة قدر شدة الأشعة الواصلة من الشمس لهذه المساحة وتتمكن من رفع درجات الحرارة إلى ما يقرب من ثلاثة آلاف درجة سيليزية،.

وبذلك تسمح بتزويد ذرات الهيدروجين في جزيئات الماء طاقة حرارية تمكنها من كسر الأواصر التي تربطها بذرات الأوكسجين، وذلك يعتبر طريقة جديدة للحصول على الهيدروجين بتكلفة أقل من الطرائق الأخرى.

تتكون هذه المحطة من 149 مصباحاً بحجم البروجكتور، الذي يستخدم في دور العرض السينمائي والذي يعمل وفق قوس كهربائي في غاز «الزينون» لأن ضوءه أشبه بضوء الشمس. وقد رصفت هذه المصابيح بشكل سداسي على ارتفاع أربعة عشر متراً وبامتداد يصل إلى ستة عشر متراً وقد استغرق بناؤها تسع سنوات وبلغت كلفة هذا المشروع قرابة أربعة ملايين دولار.

هذا البرنامج هو الخطوة التي تسبق الذهاب إلى أشعة الشمس المباشرة، فهذه المحطة هي مختبر للتعرف على مدى اقتصادية مشروع كهذا والتوصل إلى الإعداد الأمثل لتركيز الأشعة الشمسية.

 

Email