سقوط دور «الوسيط النزيه»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر ما يخشاه الإنسان أن تكون إدارة الرئيس الأميركي ترامب الأكثر انحيازاً لإسرائيل قد وقعت ضحية الموساد الإسرائيلي، وصدقت بالفعل أن قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس الشرقية، عاصمة أبدية لدولة إسرائيل الأحادي الجانب .

والذي أثار قلق العالم أجمع، سوف يمر دون صعوبات تذكر وأن جميع أذرع أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتقد أنه لا توجد معلومات دقيقة بأن رد الفعل سوف يكون عنيفاً، وأن الفرصة سانحة لصدور قرار ترامب دون عواقب تذكر بينما تؤكد كل الشواهد أن القرار الأميركي سيتسبب في اضطراب سياسي ضخم في الشرق الأوسط.

ومن المؤكد أنه سوف يشعل جذوة العنف والإرهاب، بينما تتساءل نسبة كبيرة من الأميركيين ما الذي سوف تستفيده الولايات المتحدة من هذا القرار الذي يحمل مخاطر ضخمة.

والواضح أن القرار يلقى غضباً غير مسبوق ورفضاً شاملاً في العالم العربي، ابتداءً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي أعلن رفض القرار لأنه لا دولة فلسطينية من دون القدس الشرقية عاصمة لها وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، إلى الملك عبدالله ملك الأردن الذي حذر من خطورة أي قرار أميركي يصدر خارج إطار حل شامل يحقق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية إلى مصر.

حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي خطورة العبث بالوضع القانوني للقدس في إطار القرارات الدولية، وضرورة عدم تعقيد الوضع من خلال إجراءات أحادية تقوض فرص سلام الشرق الأوسط.

بينما أكد العاهل السعودي الملك سلمان في حديث تليفوني مع الرئيس الأميركي ترامب أن القرار خطوة خطيرة تستبق الوصول إلى تسوية نهائية، وسوف يضر بمفاوضات السلام وسوف تكون له تداعيات بالغة الخطورة فضلاً عن أنه يشكل استفزازاً لمشاعر المسلمين كافة.

وتظهر ردود الأفعال في العالم أجمع عزلة الموقف الأميركي الذي لا يلقى أي مساندة من أي عاصمة عالمية سوى إسرائيل، وتعارضه كل الدول في كل بقاع الأرض.

ومعظم المؤسسات الدولية والمدنية، ابتداءً من الاتحاد الأوروبي الذي يراه خطوة أحادية الجانب لها انعكاسات سلبية على العالم سيؤثر سلبياً على عملية السلام، إلى ألمانيا التي حذر وزير خارجيتها سيجمار غابرييل من عواقب القرار الذي يحمل في طياته مخاطر ضخمة المدى فضلاً عن أعمال عنف ومظاهرات ضخمة في القدس والضفة وقطاع غزة.

كما أكدت كندا أنها سوف تبقي على سفارتها في تل أبيب ولن تنقلها إلى القدس، حتى بريطانيا حليف الولايات المتحدة الأول رفضت القرار لأن القدس ينبغي أن تكون جزءاً من التسوية النهائية واعتبرت تركيا القدس خطاً أحمر وهددت بقطع العلاقات مع إسرائيل، كما اعتبر الرئيس الفرنسي ماكرون قرار ترامب أحادي الجانب وأن القدس جزء من الحل النهائي يتحدد مصيرها في إطار مفاوضات مباشرة.

وبرغم أن القرار الأميركي يجسد القانون الإسرائيلي الذي يعتبر القدس بشقيها الغربي والشرقي موحدة بصفتها عاصمة أبدية لإسرائيل، فإن القرار الأميركي يخالف ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تدعو إسرائيل لإلغاء جميع تدابيرها لتغيير وضع القدس أو تبديل معالمها أو ضمها لإسرائيل كما لا يجوز نقل السيادة لإسرائيل كدولة محتلة.

ورداً على خطاب ترامب في البيت الأبيض الذي أعلن فيه الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن إعلان ترامب يشكل انسحاباً رسمياً لواشنطن من عملية السلام.

وليس صحيحاً أيضاً ما يقوله ترامب من أن الولايات المتحدة بهذا القرار تتخذ قراراً لا علاقة له بالوضع النهائي للأرض الفلسطينية المحتلة وهذه مغالطة أخرى لأن قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن جميعاً تؤكد أن القدس من قضايا الوضع النهائي، يتحدد مصيرها في مفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وليس قسراً بفرض الأمر الواقع على الشعب الفلسطيني!

ووفقاً لتصريحات فيدريكا موغيرنيى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فإن دول الاتحاد الأوروبي على استعداد لأن تقدم للرئيس الفلسطيني محمود عباس ضمانات معلنة بأن يلتزم الاتحاد الأوروبي الحفاظ على وضع القدس ضمن قضايا الحل النهائي بحيث لا يكون هناك تغيير في موقف الاتحاد الأوروبي الثابت من المدينة.

وبصدور قرار الرئيس الأميركي ترامب الذي ينحاز بالكامل إلى إسرائيل ينتفي دور الولايات المتحدة كوسيط نزيه لحل الصراع العربي الإسرائيلي، لأن القرار يعنى انسحاباً رسمياً من عملية السلام، يقوض جهود واشنطن وينهي دورها في الوساطة والتفاوض ويضرب عرض الحائط بكل الأعراف والمواثيق. وأظن أن السؤال المهم الآن: ما الذي يمكن أن يفعله الفلسطينيون والعرب والمسلمون..؟

 

Email