صمّام الأمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشير التقارير حسب صحيفة نيويورك تايمز إلى أن عدد المنضمين لتنظيم «داعش» من أميركا لا يتجاوز 100 شخص، رغم أن الولايات المتحدة الأميركية فيها ما لا يقل عن 3 ملايين مسلم، وهو رقم قريب لأعداد المسلمين المتواجدين في بريطانيا، إلا أن عدد المنضمين لداعش من المملكة المتحدة يقارب 2000 شخص.

فرق كبير بين أعداد المنضمين لداعش من أميركا وأعداد المنضمين من بريطانيا، فما هو السر؟! ولماذا لم نجد من الأميركيين من يقاتلون في صفوف داعش؛ رغم أنها البلد الأكثر تجنيساً في التاريخ؟! فما هو الذي صنعته الإدارة الأميركية لتجنيد مواطنيها لخدمة أميركا، وجعل مصلحة أميركا هي مصلحتهم العليا؛ متناسين دينهم وملتهم وطوائفهم؟! والسبب أن القانون الأميركي أوجد مفهوم المواطنة الحقيقية لكل من يحمل الجواز الأميركي حتى إن لم يكن مولوداً على أرضها.

عزلة المسلمين في أوروبا وعيشهم هناك على أنهم جزء مجزّأ من المجتمع الأوروبي، جعل قيم المواطنة تتلاشى في وجود تنظيمات استثارت عاطفتهم الدينية بشكل أو بآخر وجرّتهم نحوها وأصبحوا مقاتلين باسمها، وهذا درس لجميع دول العالم في كيفية مواجهة الإرهاب أو أي خطر يهدد الأمن والأمان، وقد تحدثنا في مقال سابق «عقيدة المواطنة» عن ضرورة إيجاد عقيدة حقيقية للمواطنة الإيجابية لحماية المجتمع من الانحراف نحو الإرهاب وانجذابه للجماعات المتطرفة.

وكان لنا دراسة كرسالة بحثية عن تحديات الأسر المسلمة في المهجر تاريخاً وموضوعاً، وقد رصدنا خلال الدراسة الكثير من الفروقات الطبقية والعرقية التي تَمكن الأوروبيين من تكسيرها لدمج الفئات المسلمة بينهم، وهذا أمر طبيعي لأن المجتمعات هناك لها عاداتها وتقاليدها المبنية أساساً على العرق، وقد شهدنا نزاعات كبرى بين هذه الدول في بداية القرن العشرين.

وهنا يظهر الفرق بين أميركا ودول أوروبا في صناعة المواطنة، فأوروبا لها تاريخها العرقي والاجتماعي أما أميركا فهي دولة حديثة نسبياً بنت دولتها أساساً على المواطنة بما يمنح جميع الصلاحيات والحريات للمواطن الأميركي مهما كان عرقه وتاريخه الاجتماعي أو تسلسله العائلي، فتجد أن أي مولود على أراضيها يحق له الترشح للرئاسة الأميركية ويصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.

كل هذه المؤشرات والدراسات والاستنتاجات تأخذنا إلى طريق واحد وحقيقة واحدة هي أن أي فئة يتم عزلها سياسياً أو حقوقياً أو اجتماعياً ستصبح مع مرور الزمن خطراً على المجتمع، والأَولى أن تعمل الحكومات على بناء التعايش والانسجام بين جميع أطيافها مهما اختلفوا، ومهما كان بينهم نزاع حتى وإن كان عقائدياً، فعليها أن تكسر هذه الحواجز وتجعل الشعب متجانساً ومتساوياً في الحقوق والواجبات، فالدولة مهمتها الأولى أن تخلق تجانساً اجتماعياً، وتجد الحلول لأي خلاف بين طبقاتها الاجتماعية.

عندما تبنت الإمارات مبدأ التعايش بين جميع أطياف المجتمع المكون للمجتمع الإماراتي سواء المواطنون، والمقيمون، ورغم الاختلافات الجوهرية في الدين والعرق والتاريخ واللغة والعادات والتقاليد والثقافات إلا أنهم جميعاً يتعايشون بمبدأ المساواة؛ «ما يحصل عليك يحصل على غيرك» دون تفرقة أو محاباة أو استثناء لأي فئة مهما كانت، المهم أن يلتزم الجميع بمواطنتهم تجاه هذا الوطن الذي احتضنهم ووفر لهم فرص العمل والحياة الكريمة.

التعايش والتجانس بين أطياف المجتمع هو درع الحماية لأي حكومة أو نظام أو دولة، وفي النهاية تلقي هذه الحماية بظلالها على المجتمع الذي يبحث عن أمنه وأمانه، ولذا من الواجب على جميع دول العالم أن تراجع حساباتها تجاه مواطنتها، وأن تعمل على إيجاد منظومة حقوقية مكفولة بالدستور مفادها أن جميع الأطياف والملل لها نفس الحقوق والواجبات، وعليها جميعاً أن تشارك في حماية مقدرات البلاد، وأن تكون مصلحة الوطن هي المصلحة العليا لأي مواطن أو مقيم على أرضه.

نحن في مقالنا لا نوجه أصابع الاتهام للدول الأوروبية ونقول إنها فشلت في احتواء المسلمين بداخلها، فمؤخراً وصل أحد المسلمين في بريطانيا لمنصب قيادي مهم، وفيما يخص المنضمين من داعش فهم أتوا من معظم دول العالم كلّ يرى في هذا المكان غايته وهدفه.

لكن العبرة أن المظلومية التي يلعب على أساسها أي جهة أو طائفة أو جماعة أو حزب أو تنظيم تجعلهم يحقدون على الدولة والحكومة ويريدون إفشالها وإعاقة مسيرتها التنموية حتى وإن كان بالإرهاب والقتل وسفك الدماء، ولنا في الإخوان المسلمين وتاريخهم الدموي خير مثال على المظلومية المزعومة لشد الرحال نحو القصر الرئاسي.

التعايش والتجانس هو أساس الأمن والأمان وهذه رسالتنا إلى جميع قيادات العالم، وفقوا بين أطياف المجتمع مها اختلفت وتخالفت، فالتعايش صمام الأمان لأوطانكم ولشعوبكم.

 

 

Email