خلخلة جذور الملالي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بات من المؤكد أن نظام الملالي في إيران يعيش موسم الخريف، حتى وإن تأخر تساقط أوراقه، فقد دخل في دائرة مغلقة، الخروج منها يتطلب تنازلات سياسية في الداخل والخارج، وأيضاً تحقيق نقلة اقتصادية سريعة، ولكن الاثنين خارج إمكانية التحقيق لأسباب عديدة في مقدمتها: أن التراجع الاقتصادي يحتاج إلى فترة زمنية طويلة لن ترضي المتظاهرين ضد النظام، لاسيما أن المشهد يؤكد ارتفاع نسبة البطالة إلى 29% وارتفاع معدل التضخم إلى 12% بحد أدنى.

الأمر الذي انعكس على الأوضاع وكان دافعاً قوياً لتحريك الشارع الذي باتت عودته لبيت السمع والطاعة أمراً غاية في الصعوبة، وهنا نشير إلى أن الاحتجاجات من الممكن أن تهدأ قليلاً لكنها لن تختفي ما لم يتم تحقيق أهدافها، وفي ظل عدم جاهزية النظام الإيراني لتحقيقها فإن مياهاً كثيرة سوف تجري في النهر الفترة المقبلة.

أما على صعيد التنازلات السياسية فإن الحبل قد التف حول رقاب منظري النظام الذين صاروا بين المطرقة والسندان فليس سهلاً عليهم التفريط فيما يحلمون به في الإقليم بدءاً من سوريا مروراً بدعم حزب الله في لبنان وصولاً إلى دعم الحوثيين في اليمن بالأموال والأسلحة، وفي الوقت نفسه لن تلين عقلية على خامنئي في الانكفاء على الداخل والعودة إلى حل القضايا الداخلية التي صارت أكثر تعقيداً.

إذن نحن أمام إيران جديدة بملامح شباب خرجوا عن طوع السيطرة وكسروا حاجز الصمت والخوف، قدموا ما يزيد على 25 قتيلاً وأكثر من 500 معتقل، فضلاً عن عشرات الجرحى، وهؤلاء الشباب لديهم أفكار خلاقة يقارعون بها النظام مثل الدعوة إلى عدم دفع فواتير المياه والكهرباء والاتصالات وسحب الأرصدة من البنوك وهذه الخطوات بمثابة ضربة في مقتل للاقتصاد الإيراني.

في ظل هذه المعطيات فإن هناك سيناريوهات عديدة تنتظر الصلف الملالي الذي ترك وطنه وذهب يعبث في أوطان الجوار فكانت النتيجة أنه سيخسر في الاثنين الداخل والخارج.

إذن ما السيناريوهات؟!

أول سيناريو أن النظام سيواجه الاحتجاجات بمزيد من العنف والقمع فتتسع دائرة التظاهر الأمر الذي يدفع النظام إلى الاستعانة بكل قوات الحرس الثوري الموالي تماماً له وهذا يوسع رقعة الدماء ويكون البديل الوحيد هو سقوط النظام.

أما السيناريو الثاني فهو التضحية بالرئيس الإيراني حسن روحاني وحكومته ومن معه ممن يوصفون بـ «الإصلاحيين» في محاولة من خامنئي ورجاله لامتصاص غضب الجماهير كنوع من المسكنات التكتيكية، وهذا سيناريو من المرجح بقوة رفضه من قبل الشباب المتظاهر الذي يتوقع هذا السيناريو ويعتبره قراراً لحظياً من نظام الملالي وسرعان ما يعود للقفز والهيمنة مرة ثانية.

غير أن السيناريو الثالث هو اللجوء لتكرار صيغة التعامل مع مظاهرات 2009 التي اعتمد على سحق المتظاهرين دون تقديم أية تنازلات.

وسط السيناريوهات الثلاثة نستطيع التأكيد على أن هناك متغيرات جغرافية وتقنية في نسق المظاهرات، ففي عام 2009 لم تكن شبكات التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها في الحشد متوفرة مثلما هي عليه الآن، فإذا كان يوجد قبل عشر سنوات مليون هاتف محمول فإن الأرقام تشير إلى استخدام 40 مليون هاتف محمول هذه المرة.

فضلاً عن أن مظاهرات هذا العام اندلعت من الأطراف الريفية التي كانت تمثل نقطة ارتكاز للنظام.

بالإضافة إلى أن المظاهرات قبل عشرة أعوام كانت لها قيادات محددة تم السيطرة عليهم واعتقالهم بينما هذه المرة كان الجيل الجديد أذكى فلم يختر له قائد بل اختار أن يديرها تكنولوجياً حتى لا يقع في فخ عام 2009.

إذن نستطيع القول بأن مظاهرات 2018 في إيران هي المسمار الأخير في نعش النظام الإيراني ولو طال عناده واستكباره، وأن النظام سقط إكلينكياً ورحيله صار مسألة وقت، بعد أن نجحت المظاهرات والاحتجاجات في خلخلة الجذور الملالية.

 

 

Email