طبول الحرب وسط أجواء توتر

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعل أهم الأحداث الدولية التي وقعت بالأيام الأخيرة من عام 2017 كان دق طبول الحل العسكري بخصوص كوريا الشمالية، في وقت تصاعد فيه التوتر بين كل اللاعبين الرئيسيين في تلك الأزمة.

بين اليابان وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية، وبين الصين والولايات المتحدة.

ففي رد فعل لإدراكها لتهديد صواريخ كوريا الشمالية لها، أعلنت طوكيو الشهر الماضي التوسع في برنامج الدفاع الصاروخي مع الولايات المتحدة الأميركية، مما أغضب روسيا، التي أعلنت على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أن من شأن القرار الياباني الإضرار بالعلاقات بين طوكيو وموسكو والحيلولة دون "بناء الثقة المطلوب لتقوية العلاقات السياسية والعسكرية".

وأكدت روسيا أن القرار يخيم بآثاره السلبية "على مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين".

وكانت موسكو قد أعلنت أن نشر نظام الدفاع الصاروخي الأميركي باليابان يمثل خرقاً صارخاً لمعاهدة السلاح النووي متوسط المدى المبرمة بينها وبين الولايات المتحدة وأن اليابان تساعد الولايات المتحدة على خرق المعاهدة.

والحقيقة أن أجواء العداوة بين روسيا واليابان أثناء الحرب العالمية الثانية لم يتم أبدا إنهائها رسميا بسبب النزاع بين البلدين حول عدد من الجزر. وظلت العلاقة بينهما تشهد صعوداً وهبوطاً مستمرين. لكن روسيا واليابان يظلان بلا شك لاعبين رئيسيين في الأزمة الكورية وإن كانا على طرفي النزاع فيها.

وتصاعد التوتر بين روسيا واليابان تزامن الشهر الماضي مع تصاعد التوتر بين الأخيرة وكوريا الجنوبية، ليس فقط بسبب تباين الرؤى بشأن طريقة التعامل مع كوريا الشمالية، وإنما بسبب القضية التي يطلق عليها "نساء الترفيه".

فصعود حكومة جديدة في كوريا الجنوبية أعاد فتح ملف عشرات الآلاف من النساء الكوريات اللائي كان قد تم إجبارهن بالقوة أثناء الحرب العالمية الثانية على ترفيه الجنود اليابانيين.

وهي قضية بالغة الحساسية بين البلدين وتثير الكثير من الآلام والمرارات لدى الرأي العام ليس فقط في كوريا الجنوبية وإنما في عدد من دول آسيا اللائي كان منها أيضا ضحايا بالآلاف من النساء.

وقد توصلت اليابان وكوريا الجنوبية في عام 2015 لاتفاق بشأن تلك القضية قضى باعتذار رسمي من الحكومة اليابانية، وبتعويض مالي للضحايا. لكن ذلك الاتفاق لم يكن مرضيا أبدا لقوى سياسية عدة بكوريا الجنوبية، منها الحزب الحاكم هناك اليوم، والذي أعاد، منذ توليه السلطة، فتح الملف من جديد.

وكان التوتر باديا في الزيارة التي قامت بها مؤخرا وزيرة خارجية كوريا الجنوبية لليابان. ورغم أن مون جي إن، رئيس كوريا الجنوبية، تعهد بالحفاظ على العلاقات "الوطيدة" مع اليابان رغم إعطاء تلك القضية أولوية لدى حكومته إلا أن الغضب الياباني أسفر عن نفسه في إعلان رئيس وزراء اليابان اعتذاره عن عدم حضور الأولمبياد في سيؤول هذا الشتاء.

ولا شك أن العلاقة بين اليابان وكوريا الجنوبية على جانب كبير من الأهمية في أية مواجهة للتهديد الذي تمثله كوريا الشمالية للبلدين.

والتوتر طال أيضا العلاقة بين الولايات المتحدة والصين والذي عبر عن نفسه ليس فقط في مقال وزير الخارجية الأميركي في صحيفة النيويورك تايمز مؤخرا وإنما في تصريح الرئيس ترامب على تويتر.

فتيلرسون قال إن إدارة ترامب تعتبر التهديد "الأكبر لأمن" الولايات المتحدة الأميركية يأتي من كوريا الشمالية. لكن وزير الخارجية الأميركي اعتبر أن على الصين "أن تمارس ضغوطا اقتصادية حاسمة ضد بيونغ يانغ" وأشار إلى اختلال الميزان التجاري ولتنامي دور الصين العسكري في بحر الصين الجنوبي باعتبارهما من أهم نقاط الخلاف في العلاقات بين البلدين التي لن تتراجع فيهما أميركا عن موقفها.

لكن ترامب، الذي كان قد أغرق رئيس الصين بالثناء خلال زيارته بكين، وهو الثناء الذي وصل إلى حد إعفاء الصين من المسؤولية عن اختلال الميزان التجاري مع بلاده، كان قد كتب الأسبوع الماضي تعقيبا على معلومات تشير لإمداد الصين لكوريا الشمالية بالنفط في عرض البحر، أن الصين تم الإمساك بها "ويداها ملطختان بالدماء".

وأضاف أنه "لن يكون هناك أبدا حل سلمي لمشكلة كوريا الشمالية طالما توجد مثل تلك الممارسات".

وما لا يقل خطورة عن ذلك كله، أن رموز تيار المحافظين الجدد، الذين كانوا مسؤولين عن غزو العراق واحتلاله، صاروا يدقون طبول الحرب بالطريقة نفسها داعين لتغيير النظام السياسي في كوريا الشمالية وضم الكوريتين تحت قيادة كوريا الجنوبية.

بل إن جون بولتون، السفير السابق للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة رفض استخدام تعبير "تغيير النظام" وفضل عليه تعبير "إزالته" من الوجود.

وجه الخطر في كل ذلك هو أن دق طبول الحرب يحدث في الولايات المتحدة بينما في السلطة رئيس تساءل أثناء الحملة الانتخابية مستنكراً عدم استخدام السلاح النووي طالما تملكه بلاده، ويحدث أيضا بينما التوتر يتصاعد في آسيا بين كل اللاعبين الرئيسيين المؤثرين في الأزمة الكورية.

 

 

Email