الاستعمار الأوروبي لبريطانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

حذر جاكوب ريس موج عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين من شروط الاتحاد الأوروبي، خلال الفترة الانتقالية (2019-2021) ووصفها بغير المقبولة.

وأضاف «يجب ألا تصبح المملكة المتحدة مستعمرة للاتحاد الأوروبي خلال الفترة الانتقالية التي تمتد لمدة سنتين بعد الخروج الرسمي في مارس 2019». تخرج بريطانيا من الاتحاد سياسياً، ولكنها تبقى اقتصادياً جزءاً منه من خلال استمرار خضوعها للقواعد التجارية والسوق المشتركة وسيادة محكمة العدل الأوروبية على السيادة البريطانية. وهذا يجعلها تابعة للاتحاد حيث تتبع قوانين الاتحاد دون التصويت عليها.

أشادت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بإعلان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك بأن دول الاتحاد وافقت على انتقال بريطانيا للمرحلة الثانية وهي النقاش حول الفترة الانتقالية.

يذكر أن بريطانيا توصلت لاتفاق مع الاتحاد حول فاتورة الطلاق، والتي تبلغ قرابة 38 مليار جنيه استرليني، وحماية حقوق أكثر من 3 ملايين مواطن أوروبي يعيشون في بريطانيا، وعدم وجود حدود قاسية بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا الجنوبية.

إن المشكلة تكمن في الوثيقة المكونة من ثلاث صفحات والصادرة عن الاتحاد. أشارت الوثيقة إلى أن المفاوضات في المرحلة الثانية لن تتقدم إلا إذا تم احترام تعهدات المرحلة الأولى وترجمتها في اتفاقات قانونية بأقصى سرعة، وهو ما يجعل عدم وجود ربط بين المراحل المختلفة للتفاوض.

أعتقد أن الاتفاق الذي توصلت إليه تيريزا ماي مع مسؤولي الاتحاد يجعل بريطانيا أسيرة للاتحاد وخاضعة له.

و بالرغم من الأسباب والظروف المحيطة بالتسرع في الوصول لهذا الاتفاق، فالنتيجة هي وقوع بريطانيا تحت التبعية لبيروقراطية الاتحاد. إذا كانت رئيسة الوزراء قد أعلنت في فلورنسا التزام بريطانيا بدفع التزاماتها المالية حتى الخروج من الاتحاد، وتقدر تلك التعهدات بنحو 18 مليار جنيه استرليني، فكيف تتعهد بنحو ضعف هذا المبلغ دون أخذ مقابل ذلك.

يصر الاتحاد على تقنين اتفاق المرحلة الأولى قبل التقدم في المرحلة الثانية المتعلقة بالمرحلة الانتقالية ناهيك عن المرحلة الثالثة والأخيرة الخاصة بمستقبل العلاقات التجارية بين الجانبين.

ماهو المقابل لتلك الأموال؟ يضاف إلى ذلك كيف تقبل بريطانيا بقاء أكثر من 3 ملايين أوروبي في بريطانيا وانضمام عائلاتهم لهم واستمرار حرية التنقل في الفترة الانتقالية؟ أليس أحد المطالب لتصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد بسبب تزايد الهجرة من دول أوروبا وتأثيراتها السلبية على قطاعات التعليم والصحة والمساكن.

من ناحية أخرى لا يمكن للبريطاني المقيم في ألمانيا مثلاً أن ينتقل ويعمل في دولة أوروبية أخرى بالرغم من إمكانية تنقل المواطن الأوروبي المقيم في بريطانيا في كل بلدان الاتحاد. يجب أن تكون المعاملة بالمثل بين الطرفين. تتمثل المعضلة الثالثة في عدم وجود حدود قاسية بين الأيرلندتين وإمكانية تسرب الأوروبيين عبر جمهورية أيرلندا إلى أيرلندا الشمالية ومنها إلى باقي مناطق المملكة المتحدة.

أرى أن ضعف وانقسام الجبهة الداخلية البريطانية يجعل من السهولة على الاتحاد ابتزاز بريطانيا وجعلها في موقف ضعيف خلال التفاوض. تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا ثاني أكبر مساهم في ميزانية الاتحاد بعد ألمانيا ويمكن استخدام تلك الأموال في الداخل البريطاني. من ناحية أخري بريطانيا هي أكبر مستورد في أوروبا للسيارات الألمانية، وبالتالي هناك مصالح أوروبية مع بريطانيا ويجب التلويح بها واستخدامها ورقة ضغط أثناء المفاوضات.

قد تكون هناك خسائر من الخروج، ولكن على المدى الطويل فإن المكاسب أكثر. يمكن عمل شراكات تجارية مع أطراف عديدة مثل الهند والصين والولايات المتحدة وكندا ودول الخليج وغيرها. لن تتوقف الحياة على الاتحاد الأوروبي. ومن هنا يجب أن تتوحد الجبهة الداخلية البريطانية للوصول إلى اتفاقات لا تجعل بريطانيا مستعمرة وتابعة للاتحاد، وقد تكون أحد تلك السيناريوهات هي الخروج دون التوصل لاتفاق. ومع ذلك أرى أن هناك اتفاقاً سيتم التوصل إليه لأن كلا الطرفين في حاجة ماسة للطرف الآخر.

 كاتب مصري

Email