الهتاف للقدس.. والصواريخ تستهدف مصر والأراضي المقدسة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي كان الغضب يجتاح العالم العربي، ويثير مشاعر كافة المسلمين والمسيحيين في العالم، بعد قرار الرئيس الأميركي ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأميركية إلى هناك.

وفي الوقت الذي كانت كل الجهود تحتشد من أجل أن يقف العالم كله رافضاً لهذه الخطوة، ويؤكد على عدم مشروعيتها بالقرارات التاريخية في مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة.

في هذا الوقت الحاسم، كانت الحقائق على الأرض تعطي الصورة الأشمل، وتكشف عن حجم الخطر، وتسقط ما بقي من أقنعة، في وقت لم يعد ممكناً فيه إلا الوضوح.

على أرض فلسطين المحتلة، كانت حكومة نتنياهو تصدر قرارات جديدة ببناء المزيد من المساكن، وتوسيع الاستيطان في الأرض المحتلة، بما في ذلك القدس، وفي نفس الوقت، كانت تواجه مظاهرات الفلسطينيين السلمية بالرصاص الحي.

وفي العالم كله، كانت الإدانة شاملة للخطوة الأميركية، وكانت فلسطين تعود بقوة لتفرض قضيتها في مقدمة «أجندة» العالم.. وكانت كل العواصم الكبرى، تدرك مرة أخرى أن مفتاح الحرب والسلام في المنطقة، سيبقى مرتبطاً بفلسطين.

ووسط هذا كله.. كانت هناك صورتان لا بد أن نتوقف عندهما، لأنهما يشرحان الكثير مما جرى ويجري في المنطقة، ويكشفان أيضاً عما يدبر لهذه الأمة في مستقبل مليء بالتحديات.

في المشهد الأول، كان عملاء إيران يجوبون المناطق التي احتلوها في اليمن الشقيق، رافعين رايات تؤكد أن الموت لأميركا وإسرائيل.. ثم كان العملاء الحوثيون يكملون مسيرتهم!!، بإطلاق الصاروخ البالستي الإيراني تجاه المملكة السعودية، هاتفين من أجل تحرير القدس!!

وفي المشهد الثاني.. كان صاروخ آخر ينطلق من أرض سيناء، حيث تدور معارك تصفية عصابات الإرهاب الإخواني ـ الداعشي من جانب جيش مصر الوطني، تطلق هذه الجماعات الصاروخ شديد التفجير، فلا يذهب تجاه من يغتصبون القدس التي يزعمون الجهاد باسمها، وإنما يتجه إلى مطار العريش، في وقت كان وزيرا الدفاع والداخلية المصريان يتفقدان المنطقة، فتكون النتيجة، استشهاد اثنين من ضباط جيش مصر، وإصابة إحدى الطائرات الهيلوكوبتر، وانفتاح الباب على تطور خطير في حرب لا تملك فيها أي خيار سوى اجتثاث عصابات الإرهاب الإخواني الداعشي من جذورها، مهما كانت التضحيات.

هكذا.. بينما كنا نحشد العالم كله وراء قضية القدس، ونخوض معركة نعرف أنها طويلة وصعبة، بعد أن تحولت الولايات المتحدة، بقرار ترامب الأخير، إلى شريك كامل لإسرائيل في احتلالها لفلسطين، ومحاولة اغتصاب القدس، بينما كنا نخوض المعركة، كان «الآخرون» ينبهوننا إلى حقيقة أن إسرائيل ليست وحدها في العدوان على الأمة العربية، وأن شركاءها جاهزون لمواصلة الاصطفاف إلى جوارها في العداء للعرب واستنزاف قواهم!

هكذا.. كانت إيران ترسل عبر عملائها الحوثيين في اليمن صاروخها البالستي مستهدفاً الرياض، لتقول إن القدس ليست وحدها هي المهددة، وإنما كل المقدسات الإسلامية في خطر، وكل الأراضي العربية مستهدفة، وأن الأئمة في إيران، يقفون في صف واحد مع عتاة الصهيونية في العداء لكل ما هو عربي، وفي محاولة تحول حربنا من أجل الحفاظ على دولنا وتأمين استقرارها، إلى معارك دينية ومذهبية، وفي محاولة تحويل قضية فلسطين من قضية تحرر وطني، إلى حرب دينية، سعت إليها إسرائيل منذ أن كانت مشروعاً قيد التنفيذ، وتسعى إليه إيران منذ سقطت تحت حكم الأئمة!!

وهكذا أيضاً، كان علينا أن ندرك أن الطريق لمحاولة اغتصاب القدس، كان لا بد أن يمر عبر تدمير دول عربية رئيسة، وعبر إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وأن تتأكد مرة أخرى، أن ما يجمع بين قيام طهران وتل أبيب من عداء للعرب، واستهداف لأمنهم واستقرارهم، أكبر من أي خلافات ثانوية، وأن مخططات الشر تجمع هؤلاء مع كل الجماعات التي ترفع زوراً وبهتاناً راية الإسلام، لتعيث في الأرض العربية فساداً ودماراً.

الصاروخ الإيراني الذي أطلقه الحوثيون من اليمن تجاه الرياض، يؤكد أن تحرير اليمن من نفوذ إيران وعملائها، أمر لا يحتمل التأجيل. والصاروخ الذي تم إطلاقه على مطار العريش، لا يؤكد فقط عمالة هذه الجماعات الإرهابية الإخوانية الداعشية، وإنما يقول بوضوح، إن قرار ترامب حول القدس لم يأتِ من فراغ، وأن اللوثة التي أصابت الإدارة الأميركية من ردود الفعل الرافضة للقرار، تشير إلى الأهمية التي تعقدها هذه الإدارة على اغتصاب القدس.. ليكون مقدمة لما هو أخطر!!، وهو الأمر الذي كان واضحاً أمام القاهرة وهي تتحرك قبل صدور قرار ترامب، وتعطي تعليماتها بضرورة استئصال جذور الإرهاب في سيناء، وخلال ثلاثة شهور، وباستخدام كل الإمكانات المتوفرة لجيش مصر.

فلتتوحد قوانا، لأن الخطر كبير، وتحالف الأعداء يفتح المعركة في كل الجبهات، لكنه يكشف لنا أن المعركة واحدة في محاولة أميركا وإسرائيل اغتصاب القدس، وضد استهداف إيران لكل ما هو عربي، وضد كل جماعات الإرهاب العميلة التي لا تتوقف عن الهتاف بأنها «على القدس رايحين.. شهداء بالملايين»، ثم لا تفعل إلا ما يخدم إسرائيل، ولا توجه رصاصاتها إلا لصدور العرب، ولا تنشر خرابها ودمارها إلا على الأرض العربية.

* كاتب مصري

Email