دخان كثيف في المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الغليان والشك وعدم اليقين، والأطماع الخارجية، عناوين تلف عواصم القدس ودمشق وصنعاء وطرابلس، تلك العواصم الملتهبة، التي تمثل بوصلة الاستقرار من عدمه في المنطقة.

فتجاذبات السياسة وهوس النفوذ وحلم السيطرة، لا تزال تبعث بدخان في سماء المنطقة.

فلا تزال أصداء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم السادس من ديسمبر، تلقي بغيوم وضباب سياسي على المشهد المستقبلي للدولة الفلسطينية، ففي الوقت الذي كاد الحلم أن يتحول إلى حقيقة بشأن حل الدولتين، باغتت الإدارة الأميركية بنسف كل الجهود التي من شأنها إعادة اللعبة من جديد، ليؤكد ترامب أن إدارته تختلف تماماً عن الإدارات السابقة، التي شاركت في مسارات مهمة في هذه القضية، مثل مشاركتها في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، واتفاق وادي عربة عام 1994، واتفاق أوسلو عام 1993، ورعايتها للمفاوضات التي استمرت حتى أبريل 2014، الأمر هنا يعكس بما لا يدع مجالاً للشك، أن ترامب اختار أن يكون الوسيط المنحاز لشريكه الإسرائيلي، وهنا، صارت القضية في مرمى الخداع الاستراتيجي للإدارة الأميركية، التي فشلت في إخفاء انحيازها الصارخ ضد إقامة دولة فلسطينية، وسط كل هذا الدخان الذي يحيط بالقدس، يجب على العرب أن يتحركوا لخطة تملأ الفراغ الذي استغلته إسرائيل طوال الفترة الماضية، ويجب أن تعمل القوى العربية بكل طاقتها، لتصعيد وتدويل قضية القدس أمام كافة المنظمات الدولية والإقليمية، للضغط على ترامب بتعديل قراره بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، هذا التحرك ليس مستحيلاً، بل إن الرأي العام العربي والعالمي، مهيأ لمثل هذه الخطوة، وتجلى ذلك في اجتماع مجلس الأمن، الذي رفض بكامل أعضائه الدائمين وغير الدائمين، القرار، ما عدا صوت الولايات المتحدة الأميركية، والتي باتت معزولة وسط الدفاع عن القدس، هذه الخطوة سوف يكلل نجاحها، الاجتماع المنتظر للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي من المتوقع أن يقف بكل قوة ضد قرار ترامب، وبالتالي، تكون القدس كسبت ورقتين ضاغطتين في منتهى الأهمية على طاولة التفاوض الاستراتيجي، من شأنها كسب مساحات جديدة لصالح القضية الفلسطينية.

هذا الدخان المتصاعد من الأراضي المحتلة، لا ينفصل عن ألسنة الدخان المتناثرة في عواصم أخرى..

فمثلاً، فشل مفاوضات جنيف 8 التي ترعاها الأمم المتحدة، إنما تعكس غياب الإدارة الدولية للحل السياسي في سوريا، نتيجة اختلاف حتى الآن حول تفسير بيان جنيف الأول الصادر في 30 يونيو 2012، والذي يحسم الموقف من رئيس النظام السوري، فضلاً عن غموض انعقاد مؤتمر "سوتشي" الذي ترعاه روسيا، ويراهن الكثيرون على أن يكون المخرج، من خلال تشكيل خريطة طريق لهذه الأزمة المتصاعدة منذ 7 سنوات.

أما العاصمة صنعاء، فلم تسلم من سموم الدخان الحوثي، الذي صار يشكل وباء على الأمن القومى العربي، فبعد اغتيال الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وتنكيل الحوثيين بكل القوى السياسية اليمنية، واعتقال الآلاف في صنعاء، ونشر الفوضى الممنهجة لخدمة مشروع ولاية الفقيه، الذي يهدف إلى ضرب العمق الاستراتيجي العربي، فلم يعد هناك جدوى من الصبر أمام هذه الميليشيات التي تتطلب تحركا سريعا وحازما لإنقاذ الدولة اليمنية من هذا المشروع الإيراني، وبالتالي، فإن المشهد يحتاج إلى تنفيذ المرجعيات الثلاث المتمثلة في مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية، وقرار 2216 للوقوف على أرض صلبة، وتشكيل منصة قوية لإطلاق حل سياسي متكامل في اليمن.

وإذ امتد خط الدخان على استقامته غرباً، فإن المشهد الليبي لا يزال حائراً غير واضح المعالم، في ظل صراعات دولية على الفوز بتحقيق النفوذ داخل ليبيا، فضلاً عن محاولة البعض قطع الطريق أمام أي تسوية من شأنها تحقيق فكرة الدولة الوطنية، وسط كل هذه الأدخنة، فلا بد أن يعي العرب أن التحديات قوية، وتحتاج إلى إدارة ووحدة غير مسبوقة لإعادة ترتيب البيت العربي، والحفاظ على جدار العروبة ليبقى صلباً وثابتاً.

نعم نحتاج إلى خريطة طريق عربية، تستطيع أن تطفي ألسنة الدخان التي تملأ سماء المنطقة، وتاريخ العرب في تجاوز التحديات، يشهد على إبداع هذه الأمة في الخروج من أي عثرات، لكل ذلك أقول، رغم الدخان الكثيف، فغداً أكثر إشراقاً.

Email