ترامب.. قيادة نحو العزلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك محاور عديدة يمكن تناولها في سياق التطرق إلى إعلان الرئيس الأميركي ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وتوقيع قرار نقل سفارة بلده إليها في مشهد حضره نائبه مايك بنس فقط.

وهو قرار مؤجل منذ ما يزيد على العقدين من الزمن بإرادة ثلاثة رؤساء سبقوه أحدهم جمهوري والآخران ديمقراطيان تجنباً لتعكير أجواء الوساطة لإحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين على الرغم من أنهم تبنوا في حملاتهم الانتخابية شعار نقل السفارة الأميركية إلى القدس.

ما نتوقف عنده هو ادعاء ترامب بأن توقيعه للقرار يأتي لتأمين المصالح الأميركية في حين أن الرؤساء الثلاثة الذين سبقوه آثروا العزوف عن توقيعه انطلاقاً من المبدأ نفسه، وهو ما يدفعنا نحو التساؤل: أين تكمن مصالح الولايات المتحدة، أفي احترام القوانين والتشريعات الدولية أم في خرقها والتجاوز عليها، أفي احترام الأمم المتحدة وقراراتها أم في تجاهل ذلك.

، أفي التحالف مع أقصى اليمين الإسرائيلي ممثلاً بنتنياهو أم بالانفتاح على ما يزيد على المليار إنسان من العرب والمسلمين ومن يتعاطف مع قضيتهم في أنحاء العالم الذين يروا في القدس رمزاً استثنائي الأهمية لا يسمح بعهدة مستقبله لغير أهله؟

على خلاف من سبقوه في البيت الأبيض لا يمتلك الرئيس الأميركي رؤى سياسية تنير دربه وربما لا يعير أهمية لآراء المستشارين من حوله، فهو حين يتخذ قراراً حول شأن معين يقاربه بعقلية وآلية رجل الأعمال المسكون ذهنياً بهواجس الربح والخسارة متناسياً وربما متجاهلاً أنه يترأس دولة لا يمكن أن تديم وتحتفظ بمكانتها القيادية المتميزة في العالم حين تستمر بالتخلي عن التزاماتها الإنسانية والأخلاقية وتمعن في عدم احترامها للاتفاقيات والقوانين والأعراف الدولية.

الرئيس ترامب يدرك جيداً بأن اتخاذ قرار حربي ضد كوريا الشمالية أو ضد إيران يترتب عليه بعض الخسائر لبلاده أو لحلفائها قد لا ترقى المكاسب الأمنية التي يحققها لمستواها لذلك اتجه تلبية لبعض الوعود التي قطعها على نفسه في حملته الانتخابية،.

نحو قرار لن يخسر فيه، حسب تصوره، متناسياً أن القرارات الهوجاء التي يتخذها تكلف الولايات المتحدة الكثير من الخسائر غير المنظورة التي تتراكم مع الأيام لتصبح على المدى البعيد عوامل إعاقة تضعف من مصداقيتها وتُحد من قدراتها على تسويق رؤاها وسياساتها وتهز أركان البداهة التي تأصلت في الفضاءات السياسية الدولية حول دورها الحاسم في القضايا الجوهرية.

قانون «تشريع سفارة القدس» الذي اعتمده الكونغرس الأميركي في نوفمبر 1995 ينص على اعتبار القدس مدينة موحدة لا تقبل التقسيم عاصمة لإسرائيل، يمثل خرقاً فاضحاً للتشريعات والاتفاقيات الدولية ولقرارات الأمم المتحدة التي تعتبر القدس الشرقية مدينة محتلة لا يجوز لأحد تقرير مصيرها أو المساس بتركيبتها الجغرافية والديموغرافية، فمستقبلها ينبغي أن يعالج وفق آليات التعامل مع حالات الاحتلال وباتفاق الأطراف ذوي العلاقة.

الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس الأمن الدولي للنظر بالقرار الأميركي كان تظاهرة عالمية ضد القرار ورفضاً للاستسلام للانحرافات الحالية في السياسة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة وتحذيراً من تداعياتها على السلم والاستقرار في المنطقة.

ولم تجد نيكي هيلي المندوبة الأميركية في المجلس من وسيلة لمواجهة كل ذلك الرفض سوى شن حملة شعواء على المنظمة الدولية متهمة إياها بمعاداة إسرائيل وبعرقلة حلول التسوية التي تتبناها الولايات المتحدة متجاهلة حقيقة أن قرار الرئيس ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل يعتبر بمثابة انسحاب الولايات المتحدة من مهمة الوسيط في الخلاف الفلسطيني الإسرائيلي.

فهو حين يشترط موافقة إدارته على حل الدولتين بموافقة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني على ذلك يجهز بالكامل على مشروع التسوية لأن إسرائيل ترفض مبدأ الدولتين.

الولايات المتحدة تُسرع الخطى نحو العزلة الدولية منذ مجيء ترامب لسدة الحكم فقد أصبحت أكثر ميلاً للتحرك الانفرادي على الصعيد الدولي وأكثر تجاهلاً لمصالح ومواقف حلفائها عن ذي قبل، فقد انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ وانسحبت من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي وانسحبت أخيراً من منظمة «يونسكو» تضامناً مع إسرائيل.

وتبنت على الصعيد الإعلامي خطاباً شعبوياً استعلائياً وآليات عدائية استفزازية كان آخرها تصريحات الرئيس الأميركي بشأن أعمال العنف التي اندلعت في ولاية فرجينيا، حيث ساوى بين دعاة التفوق العنصري وأولئك المناوئين لهم في موقف أغضب بشدة حلفاءه الأوروبيين وفي مقدمتهم أقربهم بريطانيا.

 

Email