في الكويت.. قابلت الملكة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

البدايات دائماً أجمل. هي باكورة الأشياء، الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل. قد تصل وقد لا تصل. تبدأ محملاً بالأمل المشحون بالعمل. لكن ما لم تعمل، يصبح الأمل مجرد وهم لا يؤدي إلا إلى سراب.

البداية كانت منتصف السبعينيات في الكويت «بلاد العرب»، شعارها الممارس والمرفوع والمغنى والمرسوم على دفاتر المدارس. وهو ما كان يشعر به العربي حين يدخلها من المطار، أو من المنافذ البرية مع السعودية والعراق. أما صحافتها، فكانت صاحبة الجلالة العربية بامتياز. فقد هاجر إليها صحافيون لبنانيون إثر حادثة «القصة مش قصة باص عين الرمانة.. القصة قلوب مليانة»، والتي كانت الشرارة المباشرة لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل (نيسان) من عام 1975.

هناك، تتلمذت على قلم أساتذة في مهنة الصحافة، أمثال رؤوف الشحوري وذو الفقار قبيسي وسمير عطا الله ووجيه العجوز وآخرين، لأن الكويت بلاد العرب، فإن هؤلاء الزملاء كانوا من جنسيات لبنانية وسورية وكويتية وأردنية وفلسطينية وعراقية ويمنية. وزملاء عرب آخرين في القبس والوطن والسياسة والرأي العام، منهم ناجي العلي، وأقربهم لي حمزة عليان. أيامها كانت السعادة باللمة والهم عربي واحد، والقضية المركزية فلسطين..

تذكرت تلك البدايات، وأنا أقرأ خبر احتفال الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا، وزوجها الأمير فيليب يوم السبت الماضي، بالعيد السبعين لزواجهما. وكيف طرت فرحاً وأنا الشاب ابن التاسعة والعشرين عاماً، أدخل إلى اليخت الملكي «بريتانيا». أصافح الملكة وزوجها دوق إدنبرة مع المدعوين للاحتفال بزيارتها، وكان ذلك في فبراير 1979. كان يوماً فارقاً مشجعاً لي على تذوق مهنة الصحافة، رغم كونها مهنة المتاعب، والفضل كان لأستاذي المرحوم محمد خالد قطمة، الذي أوفدني للاحتفال مندوباً عن «الأنباء»، برفقته ورفقة رئيس التحرير آنذاك، فيصل المرزوق.

كانت الملكة في ذاك الحفل في منتصف العمر، وبكامل الأبهة الملكية، أما قصة زواجها المعمر، فهو يدحض مقولة أن «الزواج أفشل المؤسسات». فقد تزوجت الأميرة إليزابيث آنذاك بضابط البحرية، اللفتنانت فيليب ماونتباتن في كاتدرائية وستمنستر آبي بلندن في 20 نوفمبر /‏‏تشرين الثاني 1947، بعد عامين من انتهاء الحرب العالمية الثانية. وحضر حفل الزفاف الباذخ، رؤساء دول وأفراد عائلات مالكة من جميع أنحاء العالم.

وكشف قصر باكنغهام، الأسبوع الماضي، عن صورة فوتوغرافية جديدة للملكة إليزابيث الثانية، وزوجها الأمير فيليب، بمناسبة العيد السبعين لزواجهما.

وتعرض الصورة التي التقطت في أوائل الشهر الجاري، الملكة وهي ترتدي نفس الفستان الذي اختارته لقداس عيد الشكر، للاحتفال بالعيد الماسي لزواجها، في نفس الكاتدرائية التي شهدت مراسم زواجها. وتضع إليزابيث دبوساً مزخرفاً لونه أصفر ذهبي من «الجعران» والياقوت المنحوت، الذي أهداه لها فيليب في 1966.

تعتبر فترة زواج الملكة إليزابيث، هي الأطول على الإطلاق في العائلة المالكة. وظل الأمير فيليب، المولود في اليونان، وينحدر من نسل الملكة فيكتوريا الجدة الكبرى لإليزابيث، إلى جانب زوجته خلال حكمها الممتد منذ 65 عاماً، وهي أطول فترة جلوس على العرش في تاريخ بريطانيا. وكان هو من حمل إليها في عام 1952، خبر وفاة والدها الملك جورج السادس، وانتقال العرش إليها.

وقال مؤرخ العائلة المالكة، هوغو فيكرز، لرويترز «أحد أسرار هذا الزواج الطويل جداً جداً، هو أن الأمير فيليب، يعتبر أن واجبه الأساسي هو مساندة الملكة ومساعدتها بأي طريقة يستطيع؟». وتابع «إنه الشخص الوحيد الذي يستطيع فعلياً أن يقول للملكة بشكل مباشر ما يفكر فيه دون مواربة، وإذا ما ظن أن بعض الأفكار سخيفة، سيقول هذا بأي لغة يختارها».

والتقى الزوجان للمرة الأولى في حفل زفاف الأميرة اليونانية مارينا ابنة عم فيليب، إلى عم إليزابيث دوق كنت في عام 1934. وعلى الرغم من أن مراقبين للشأن الملكي يقولون إن زواج إليزابيث وفيليب مرّ بالحلو والمر، إلا أنهما تجنبا المتاعب الجمة التي أنهت زواج ثلاثة من أبنائهم الأربعة بالطلاق.

ها هي سبعون سنة تمر على زواج الملكة والدوق، وأربعون سنة تمر على «زواجي» من مهنة الصحافة، ولم أزل مرتبطاً بها، كما لو أني في أول يوم، حين كتبت عقدي معها في الكويت «بلاد العرب».

 

 

Email