أي استراتيجية لترامب في آسيا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد زيارة آسيوية للرئيس الأميركي استغرقت اثني عشر يوماً، لم تتضح سياسة إدارة ترامب تجاه آسيا!، فالخطاب الرئاسي اختلف من عاصمة لأخرى، ولم يتم التطرق، علناً على الأقل، لقضايا حيوية، ما يصعب معه معرفة ما تم الاتفاق والاختلاف عليه.

فكوريا الشمالية كانت على قمة أجندة ترامب. وهي قضية تمثل قلقاً بالغاً لدى اليابان وكوريا الجنوبية على وجه الخصوص، ليس فقط لأن كوريا الشمالية تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومى للبلدين، وإنما أيضاً لأن التوتر الأميركي الكوري الشمالي، إذا ما خرج عن السيطرة، ستكون عواقبه بالغة الكلفة للبلدين. لكن ما جرى خلال زيارة ترامب، كان يحمل من التناقضات ما لا يساعد على تخفيف قلق حلفاء أميركا.

ففي طوكيو، أولى محطات الزيارة، نجح رئيس الوزراء الياباني شينزو آبى، في انتزاع لغة مشابهة للغة اليابان بشأن كوريا الشمالية، من حيث التركيز على زيادة حجم «الضغوط» على كوريا الشمالية بشأن برنامجها للتسلح.

ومن اليابان، تحدث الرئيس الأميركي فعلاً عن أهمية التوصل «للسلام من خلال القوة»، وهى لغة تفضلها طوكيو، التي ترفض أي عمل عسكري أميركي، ما لم يكن كرد فعل لتهديد كوري للأرض الأميركية أو أراضي حلفائها.

لكن في سيؤول، استخدم الرئيس الأميركي منطق «الحوار» الذي يفضله رئيس كوريا الجنوبية. لكن سيؤول كانت سعيدة بما لم يحدث أكثر من سعادتها بما حدث. فأكثر ما خشيته حكومة كوريا الجنوبية، كان توجيه ترامب، من سيؤول، لإهانات شخصية لرئيس كوريا الشمالية.

لكن خطاب ترامب، بخصوص كوريا الشمالية، تغير في الصين، المحطة التالية، حيث كان التركيز على ضرورة الالتزام بتنفيذ عقوبات مجلس الأمن. صحيح أن ترامب تحدث عن أهمية الدور الصيني، الذي هو في النهاية يهدف للضغط على بيونغ يانغ، إلا أن الواضح من زيارته للصين، أنها كانت تدور في فلك المجاملات الثنائية، أكثر من كونها ترسم بوضوح موقف أميركا في الفترة القادمة في علاقتها بالصين عموماً.

فلم يكن واضحاً ما إذا كان البلدان قد تجاوزا خلافاتهما بخصوص كوريا الشمالية أو الملفات الثنائية، لمجرد أن الرئيسين يتحدثان «بدفء» عن بعضهما البعض. اللافت أيضاً أن التوتر في بحر الصين، لم يكن على مائدة الحوار بين الرئيسين الصيني والأميركي، رغم أنه قضية ملحة لحلفاء أميركا الأربعة، الذين زارهم ترامب، اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والفلبين.

صحيح أن ذلك الملف قد تم بحثه في زيارة تيلرسون للصين مؤخراً، إلا أن ترامب لم يتطرق له إلا في زيارته لفيتنام، أي بعد مغادرته الصين، حين أعرب عن استعداده «للوساطة»، من أجل حل النزاعات بين الصين وحلفاء أميركا. وقد جاء حديث ترامب «كعرض» من جانب الرئيس، مؤكداً على مهاراته التفاوضية، لا في صورة خطة رسمية أميركية للوساطة.

لكن لعل أكثر ما يلفت الانتباه، أن ترامب الذي كان قد وجه أثناء حملته الانتخابية انتقادات قاسية للصين في علاقتها التجارية للولايات المتحدة، بل واستخدم وقتها تعبير «الاغتصاب» لوصف علاقتها ببلاده، قال أثناء زيارته للصين، إن العجز في الميزان التجاري الأميركي مع الصين، ليس مسؤولية الصين، وإنما مسؤولية الرؤساء الأميركيين السابقين عليه.

واللافت للانتباه، أن مستشار الرئيس السابق ستيف بانون، والذي لا يزال على صلة وثيقة به، كرر المعنى نفسه في زيارة له لليابان، بعد أيام من مغادرة الرئيس الأميركي لها.

وفى تصريحات الرئيس الأميركي وخطبه في القمتين الآسيويتين اللتين حضرهما، لم يكن التطرق لفكرة «أميركا أولاً»، يعني أكثر من مناهضة العمل الدولي متعدد الأطراف. وهو ما جاء الرد الفوري عليه باتفاق أستراليا وكندا مع دول آسيا على اتفاق التجارة الحرة من دون الولايات المتحدة.

واللافت للانتباه، أن طريقة إدارة ترامب في التعامل مع العجز التجاري مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية، كان عبر عقد اتفاقات بمليارات الدولارات لبيع أسلحة ومعدات عسكرية للبلدين، وهو ما قاله ترامب صراحة، حيث أكد أن تلك الاتفاقات التي تخلق لأميركا «الوظائف، تعنى التخفيف من العجز التجاري».

لكن الأكثر دلالة من كل ذلك، هو القضية التي رفعت الإدارة حجم التوقعات بشأنها قبل الزيارة، وهى إيجاد استراتيجية جديدة لإقليم المحيطين الهادي والهندي، والتي كانت كما فهم مما نشر في الصحف بشأنها، أنها تتضمن تعاوناً استراتيجياً وأمنياً، فضلاً عن التعاون الاقتصادي. لكن إشارات ترامب للموضوع في خطابه في فيتنام، كانت محبطة لتلك الدول.

فهو تطرق للموضوع في إطار فكرة «أميركا أولاً»، وفى سياق العمل من أجل «اتفاقات ثنائية للتجارة»، بدلاً من متعدد الأطراف، معلناً أن ذلك هو «حلمه» لما أطلق عليه مؤخراً إقليم «الهادي والهندي»، الأمر الذي يعنى أن شيئاً ملموساً لن يتحقق في المستقبل المنظور بخصوص تلك الفكرة.

باختصار، قضى ترامب اثني عشر يوماً في آسيا، دون أن تتضح معالم سياسة إدارته في تلك المنطقة المهمة من العالم.

 

Email