الحياة على شجرة ميتة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما إن تراه حتى يرتدي وجهاً غير وجهه، يصطنع ابتسامة شاحبة، يمد يداً ملطخة بالخطايا، يسألك عن حالك وهو يدري لكنه يريدك أن تشكو، يسلم عليك وبداخله حرب عليك، لا يتركك بحالك ويمضي.

أكبر خطايا الإنسان أنه ابتعد عن خلقته التي كونها الخالق في أحسن تقويم. ففي كل جزء منه حكمة وحاجة يعلمها الله. عينان لا واحدة ليرى كل ما أمامه وما حوله. فم واحد ليتكلم أقل وليأكل ويشرب ما يكفيه. قدمان تحملان الجسد ويدان لتحملا إليه ما يعيشه. جعل العقل في الرأس والرأس في أعلى الجسد. لكن الإنسان لم يكتف وضل الطريق إلى نفسه فيما الأيام تمشي إلى نهاية لم يستطع أن يطيل عمرها دقيقة.

يقهرك هذا التناقض الذي تراه في الناس قلباً وقالباً. لكأنك أمام مشاهد سيريالية بأسماء ومناصب متحركة. ويكفيك أن تدقق لساعة فقط في كل ما ترى وتسمع لتصاب بدوار الغش والنفاق. بعضهم يكذب في الكذبة الواحدة عشر كذبات. آخرون يتباهون بما «لهفوا» من أموال بدون أن يتعبوا، يحسبون الأيام بعدد ما يملكوا من أموال هم ليسوا بحاجة لها.

يضايقك منظر الفتيات والنساء اللواتي ما إن تراهن حتى تشعر أنك أمام عصور متناقضة في هيئة امرأة. أقدام فلاحية خشنة في أحذية باريسية ناعمة، جينز أميركي، قمصان ضيقة، مساحيق بهلوانية لا داعي لها، وجوه عليها خربشات أقوام أخرى، وعلى الرأس غطاء لا علاقة له بالأخلاق العليا وحتى الدنيا.

شبان في مقتبل الضياع. خصور ساحلة وشعور خشبية ولكنات هجينة. تراهم ولا تدري هل أنت في بلاد عربية أم في مسارح عبثية.

ثمة اجتياح للعقل العربي؛ امتهان للشخصية، ضياع للهوية، انزلاق إلى الهاوية.

لكن من المسؤول عن هذا؟ وكيف انقلبت الدنيا عاليها سافلها؟ وإلى أين نحن سائرون؟

إنه الضياع الذي بدأ بالبعد عن الحقيقة. الواقع الذي فرض نفسه بقوة الهزيمة. هي عوامل سياسية وعسكرية ووطنية أدت إلى هذا التناقض القاتل على مستوى الأمة والدول والمجتمع وعلى تلك الفتاة التي تريد أن تكون عربية مسلمة وغربية أجنبية في نفس الوقت. هو ذاك الشاب الذي يعيش مع سموم الفضائيات والعنكبوتيات من دون موجه له ومرشد للريح أين تذهب.

هي الحياة بوجوه متعددة وشعار المصلحة الذي يسكن العقول ويلغي القلوب. الانتقال من غصن إلى غصن على شجرة ميتة بلا وضوح رؤية.

بصدق الإنسان مع نفسه تبدأ رحلة الميل الواحد إلى النجاة، حالنا لا تسر صديقاً بل تسعد عدواً. لم نعد نعرف من أين تشرق الشمس ولا إلى أين تغيب وما إذا كان ثمة ضوء.

التاريخ مليء باللعنات أشهرها: «لعنة توت عنخ آمون» ففي نوفمبر، تشرين الثاني عام 1922، اكتشف عالم الآثار الإنجليزي «هوارد كارتر» مقبرة الفرعون «توت عنخ آمون» الذي يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وهو كنز مصري ثمين نام في هدوء لعدة قرون. ولكن في غضون أشهر، توفي عدد من الرجال القائمين على عمليات الحفر في ظروف غامضة، مثل الحمى.

وحالات التسمم في الدم والقتل والانتحار. وسرعان ما انتشرت شائعات بأن الرجال قد أصابتهم لعنة «توت عنخ آمون»، وكانت أكثر النهايات عنفاً هي تلك التي أصابت عالم السحر البريطاني أليستر كراولي، انتقاماً لإزعاج قبر الملك.

فهل كانت هذه لعنة بالفعل أم أنه سوء حظ؟ من الجدير بالذكر أنه كان هناك 58 شخصاً حاضراً عندما تم فتح القبر والتابوت، وقد خرج عدد كبير منهم سالماً من هذه الحادثة الغريبة - بما في ذلك كارتر نفسه الذي قام بأخطر مغامرة في أوائل القرن العشرين.

كذلك ثمة ما سمي لعنة تيمور، وهو زعيم تركي في القرن الرابع عشر ومسؤول عن ما يقدر بنحو 17 مليون حالة وفاة أي حوالي 5٪ من سكان العالم. حيث كان له ولع مخيف لبناء الأهرامات العملاقة من الجماجم بشرية. لذلك فهو ليس ذلك الرجل الذي يمكن أن تعبث معه حتى بعد مرور 500 عام على وفاته، حتى إنه قد كتب على قبره عبارة «عندما يبعث من الموت، يجب على العالم أن يرتعش».

ولكن في يونيو1941، قام عالم الإنسانيات السوفييتي ميخائيل غيراسيموف بحفر قبر القائد العسكري وأخذ جمجمته، وبعد ذلك بيومين قامت ألمانيا بغزو الاتحاد السوفياتي، مما أدى إلى وفاة الملايين السوفياتية. وقد أعيد دفن تيمور على الطريقة الإسلامية في نوفمبر عام 1942 وبعدها مباشرة انتصر الاتحاد السوفيتي في معركة ستالينغراد.

هل هي لعنة التاريخ أم إن بعض العرب خذلوا تاريخهم؟

 

Email