خطة مئوية للإعلام الإماراتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يظل النظام الإعلامي جزءاً أصيلاً من الأنظمة المكونة للدولة، كما النظام التعليمي والنظام الاجتماعي والاقتصادي، وغيره من النظم يتفاعل معها أخذاً وعطاء تأثيراً وتأثراً، كما أن النظام الإعلامي هو المرآة التي تعكس واقع باقي الأنظمة، وكذلك هو الفاعل في حركتها والدافع لها، وكلما كان ذلك الواقع قوياً، كانت الرسالة الإعلامية أكثر تأثيراً، حيث إن جانباً مهماً من قوة الرسالة، هو استنادها إلى واقع قوي، من هنا، فإن التطور الإعلامي هو انعكاس للتطور المجتمعي، فمن الصعوبة بمكان، رصد حالة من التراجع لمجتمع ما ثم تجد أن الإعلام بعيداً عن ذلك التراجع، لذا، كان الاهتمام بالرسالة الإعلامية ونقلها للرأي العام في الداخل والخارج في فترات السلم، كما في غيرها، والشاهد أنك تجد الاهتمام بالإعلام، لا يقل عن الاهتمام بالتسليح في كل المعارك الكبرى التي حدثت على امتداد التاريخ، باعتبار أن التعبئة النفسية لا تقل عن التعبئة العسكرية، كما أن كافة خطط التنمية تمهد لها عبر الإعلام، وتعرف بها، وتدعو إلى المساهمة في تحقيقها عبر حالة مجتمعية فاعلة، لذا، كان وما زال الإعلام شريكاً أصيلاً في حركة المجتمعات وتقدمها.

من هنا، تأتي أهمية دعوة سمو الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، بأهمية وضع خطة إعلامية مئوية، تواكب التطورات المتسارعة في المجال الإعلامي، ولا شك أن تلك الدعوة تحمل الكثير من الأهمية، وهي في تقديري من الأولويات الوطنية على أجندة المؤسسات الإعلامية الإماراتية، وإذا كان التخطيط على المدى البعيد من الأهمية بمكان في كافة المجالات، فإن التخطيط في المجال الإعلامي أكثر إلحاحاً، ذلك أن ترسيخ المفاهيم، وتكريس المصطلحات، وبناء الصورة، والمرونة في التعامل مع مختلف المتغيرات والمستجدات، تجعل من التخطيط على المدى البعيد حتمية وطنية، وبخاصة أننا نعيش عصراً يمكن أن يسمى «عصر الصورة» بامتياز، ذلك أن الصورة والكلمة أصبحتا تسبقان مختلف النشاطات الحياتية، سواء حكومية أو أهلية، كما أنها مصاحبة لها ومتابعة في فترات أخرى، كما أن المتغيرات المتسارعة في الأنماط الثقافية، وسبل التعامل مع وسائل الإعلام، التي تخرج لنا كل يوم الجديد من أشكالها المتتالية والمؤثرة، الأمر الذي جعل المسافة الإعلامية بين الشعوب أقصر بكثير من المسافة الجغرافية، وهو ما يضيف أعباء جديدة على العاملين في صناعة الإعلام، سواء على المستوى التكنولوجي أو على مستوى الأداء، والممارسة التي تتطلب مهارات نوعية في التعامل مع أدوات جديدة، تختزل فريق العمل في شخص أو اثنين على أكثر تقدير، فضلاً على نقلة نوعية في نمط الأداء، تتطلب الالتصاق وتلبية حاجات الجمهور من مادة إعلامية قادرة على المنافسة، تضمن الحفاظ على الرابط الثقافي والوطني بين الوسيلة وبين الجمهور.

كما أنه من الأهمية بمكان، تكريس قواعد ممارسة مهنية تحفظ للوسائل مصداقيتها، وتضمن للرسالة تأثيرها بعيداً عن الاستخدام غير المسؤول لوسائل باتت في أيدي أفراد، ما يتطلب العمل على محورين، الأول منظومة من القوانين القادرة على التعامل مع ما يستجد من وسائل اتصالية، ووضع أطر للعمل، فضلاً عن مواثيق شرف مهنية قادرة على فرز كل الممارسات غير المسؤولة، حتى يلفظها الجمهور ذاته، من خلال رؤية واعية لبناء شخصية الفرد، وجعله قادراً على الانتقاء، على الجانب الآخر، فإنه في عصر التعدد الإعلامي وانحسار الحدود والحواجز الإعلامية، وهو الأمر الذي سيزداد على مدار الأيام، فإن التميز في الرسالة الإعلامية، سوف يأتي من تعبيرها عن العمق الثقافي والاجتماعي للمجتمع ذاته، والتعبير عن هويته، بعيداً عن المواد المنسوخة، وهو الأمر الذي يتطلب من العاملين في ميدان الإعلام، مزيداً من الجهد في الابتكار والتجديد باستخراج مواد قادرة على التعبير عن الثقافات الوطنية، مع الانفتاح على العالم، ومتابعة ما يجد في كافة المجالات، في الوقت ذاته، تأتي أهمية تكوين كوادر إعلامية وطنية، تملك مهارات متعددة ومتميزة، وقادرة على تلبية حاجة العصر، وتعي خطورة وأهمية الدور الذي تقوم به، وقادرة على استشراف المستقبل، ووضع التصورات المتعددة للتعامل مع مخرجاته ومستحدثاته، وتطويع أدواته لتحقيق الأهداف الوطنية.

إن الإعلام سيظل النافذة التي تطل منها الشعوب، للنظر إلى تجارب بعضها البعض، مهما اختلفت أشكال تلك النوافذ ومداها، كما أنه سيظل لعشرات السنين، الوسيلة المثلى للتلاقح الثقافي والتعبير عن الذات والتماهي في الفكر، بما يثري الحضارة الإنسانية.

وإذا كانت الشعوب الواعية تخطط لمستقبلها الاقتصادي على مدار عقود، فلا بد لضمان نجاعة تلك الخطط، أن يتوافق معها، إن لم يسبقها تخطيط إعلامي قادر على التعبير عنها والتوعية بها، من هنا، كانت أهمية النظر إلى مستقبل الفضاء الإعلامي، وهو بلا شك، سيكون فضاءَ مزدحماً.

Email