استغلال التطور العلمي في حروب التدمير

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أعلم إن كانت توجهات العالم المستقبلية تدعو للسلم، أم أنها تدعو للحرب؟، فكلما تطور العلم اتجهت حصيلته النهائية وأعظم مخترعاته نحو التسليح وصناعة الأسلحة الفتاكة المدمرة القادرة على تدمير مئات الكيلومترات بلمحة بصر.


من قرأ تاريخ الحرب العالمية الأولى ووقف على تفاصيلها وأسبابها الحقيقية فسيعلم أن سببها هو الثورة الصناعية التي وصلت حداً كبيراً من التطور حينها، وبدأت معظم الدول تتجه نحو تصنيع الأسلحة الثقيلة والقنابل والدبابات والطائرات الحربية، وبدأت كل دولة تستعرض قوتها العسكرية وتتفاخر بما تمتلكه من قوة حتى اشتد الصراع بين جميع الأطراف وبقوا ينتظرون الفرصة السانحة لبدء الحرب، وفعلاً قامت الحرب العالمية الأولى.


أخشى تماماً أن يعاد السيناريو نفسه مرة أخرى لكن بشكل مختلف، فما وصلت إليه دول العالم من التسلح باستخدام التقنيات الذكية والطائرات بدون طيار، وترسانات حربية من صواريخ ودبابات تشن حروباً كاملة بدون تدخل الإنسان قط، وبدأت فعلياً بعض دول العالم بتجهيز جيوش كاملة بكامل ترساناتها وعلى نطاق واسع من تعدد وتشكل الأسلحة تستطيع القيام بمناورات عسكرية كاملة من دفاع وهجوم عن طريق سيناريوهات معدة مسبقاً وبتكنولوجيا ذكية.


الاخطبوط الصيني على رأس القائمة التي تستحوذ بشكل لافت على جميع الشركات العاملة في التكنولوجيا الذكية وخصوصاً العسكرية منها وذلك بهدف تجهيز جيشها الصناعي القادر على اجتياح العالم دون خسائر بشرية صينية، وأيضاً روسيا قد جربت الكثير من الأسلحة الذكية خلال السنوات الماضية سواء في مناوراتها العسكرية أو من خلال الحرب الذي تقوم به داخل الأراضي السورية كما تشير بعض التقارير العسكرية.
هذا كله نضعه في كفة واحدة أمام ما تقوم وما قامت به الولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات العشر الماضية من تطويرها أسطولاً كاملاً من الطائرات بدون طيار القادرة على المناورة والتخفي من الرادارات وضرب المواقع المحددة والعودة إلى قواعدها، وأيضاً ما تقوم به من تجارب لبناء وتجهيز جيش كامل متكامل يقاد عبر التقنيات الذكية.


هذه التكنولوجيا التي من المفترض بها أن تسخر لخدمة البشرية هناك توجهات باستغلالها وتجنيدها للسيطرة على العالم، وصحيح أن هناك أصواتاً من رواد هذا القطاع نادوا مراراً وتكراراً بضرورة إيجاد آلية للحد من خطر الأسلحة المعدة باستخدام التقنيات الذكية إلا أن هذه الأصوات لم تجد أي صدى لدى قاعات ومؤتمرات وورش عمل أصحاب القرار سواء في المنظمات الحقوقية أو مجلس الأمن الدولي، وهذا تماماً ما حدث في سيناريو الحرب العالمية الأولى، فخبراء الصناعة آنذاك حذروا من استخدام هذا التطور في التسليح والحروب، وحدث بالفعل ما كانوا يحذرون منه، فهل سنشهد في المستقبل حروباً تكنولوجية واصطناعية؟، سؤال يؤرق الكثيرين خصوصاً من لهم خبرة في هذا العالم الصناعي وعالمين بقدراته وإمكانياته.


في بداية التسعينيات كان هناك مخاوف من إنشاء جيوش مستنسخة باستخدام تقنية الاستنساخ، وكانت المخاوف تنصب حول فيما إذا خرجت هذه الترسانة البشرية المستنسخة والتي لا تحمل بداخلها أياً من المشاعر تجاه أي شيء حتى الوطن أو البلد الذي يحاربون من أجله، فماذا سيؤول إليه المآل؟، وتوقفت مثل هذه الأفكار لعدم اكتمال فكرة الاستنساخ علمياً، ومازالت قيد التجارب، ولكن اليوم الوضع أخطر بكثير فالتطورات التكنولوجية التي وصلت إليها البشرية حتى يومنا هذا تفوق التوقعات في إمكانية تسخيرها في مجال الحروب والتسليح.


ربما يلاحظ البعض أن هناك حدية خفية بين الكثير من دول العالم خصوصاً الكبرى، وهناك حروب مازالت في حالة ركود، وما يظهر على السطح منها سوى مناوشات وتصريحات وبعض القرارات السياسية، ولكن في الداخل هناك غليان كبير يظهر في الخفاء، وكل هذه الدول تعمل على تجهيز نفسها لتكون في المرتبة الأولى وتتربع على عرش دول العالم وفي مركز القوى العسكرية العالمية، ومن ثم تفرض سيطرتها وقرارها السياسي على الدول الأضعف.


كل هذه المخاوف يجب أن تتلاشى في ظل إيجاد منظومة حماية وآلية تحدد هذا التطور وتسخره لخدمة البشرية، فكلما وجدت قوانين تحرم التسلح النووي، ولا تستخدم هذه التقنيات والعلوم إلا وفقاً لأغراض سلمية، ويمنع على الدول أن تمتلك أسلحة نووية إلا بشروط يحددها مجلس الأمن، وكل هذا منعاً من حدوث كوارث بشرية جراء استخدام أسلحة تعتبر من أسلحة دمار شامل، ولهذا يجب أن تتبع نفس السياسات التنظيمية أيضاً لمنع التسلح التكنولوجي الصناعي إلا وفقاً لأحكام وشروط وأغراض سلمية وتسخير هذا التطور من أجل خدمة الإنسان والإنسانية.


نحن فعلاً بحاجة لقوانين وتنظيمات تستطيع أن تكبح جماح حكومات بعض الدول الماضية كالصاروخ في إيجاد منظومات عسكرية صناعية ذكية هدفها تملك أكبر قوة عسكرية في العالم، ويجب أن ندق ناقوس الخطر من هذه المخاطر قبل أن تشكل تهديداً حقيقياً على حياة البشرية بأكملها، وصحيح أننا نستبق الأحداث ولكن لا نريد أن نفيق يوماً ونجد الربوتات الصناعية الذكية تزاحمنا على أمننا وأماننا، وتبدأ حروب الاختراق لهذه الأنظمة وتجعل منها آلات لا ترحم ولا تعرف أساساً معاني الرحمة، خصوصاً أن الأخلاق خلال الحرب غير موجودة، والهدف واحد وهو التدمير والدمار.

Email