وهم القوة يقود إيران وعملاءها نحو الهاوية

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل حكم «الملالي» في إيران، كانت للعالم العربي مع الدولة الفارسية قضية أساسية، هي احتلال الجزر العربية الإماراتية والتهديد المستمر لدولة البحرين وباقي دول الخليج العربي.

بعد ما يقرب من أربعين عاماً من حكم الملالي في إيران، وبفضل أخطاء وسياسات أميركا والغرب، وكارثة إطلاق الجماعات الإرهابية التي تستخدم الدين ستاراً لها، وحماقات أنظمة تخلت عن عروبتها وتحالفت مع الشيطان مؤكدة أنه مثال لـ«الشرف».. أصبح علينا أن نواجه وضعاً يتبجح فيه قادة الحرس الثوري الإيراني بأن أعلامهم ترتفع في أربع عواصم عربية.. والبقية في الطريق كما يزعمون! ويقف فيه الرئيس الإيراني «المعتدل!» روحاني ليمارس اعتداله، مؤكداً أن سطوة إيران تمتد في المنطقة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وحتى الشمال الأفريقي، وأنه لا يمكن أن يصدر قرار في هذه المنطقة بعيداً عن رؤية إيران ومصالحها!

طوال الفترة التي كانت تجرى فيها محاولات حصار مخاطر البرنامج النووي الإيراني، كانت التحذيرات العربية تتواصل، فالخطر لا يقتصر على التهديدات النووية، وإنما الأسوأ هو ما تمارسه طهران من محاولات لمد النفوذ خارج أرضها، وما ترعاه من جماعات إرهابية لخدمة سياساتها، وما تثيره من فتن طائفية ومذهبية تخلق البيئة المناسبة للإرهاب المقابل، ليقود المنطقة إلى جحيم الحروب الأهلية التي تدمر أوطاناً عربية تتباهى إيران الآن بأنها ترفع راياتها فوقع عواصمها!

ورغم التحذيرات العربية والدولية، اكتفت أميركا ودول الغرب بالاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، وتناست واشنطن أن أخطاء الإدارات الأميركية المتعاقبة في الشرق الأوسط قد فتحت أمام طهران أبواب التدخل في الوطن العربي، وأن تدمير العراق وتفكيك كل مؤسساته كان هدية مجانية قدمتها واشنطن للدولة الفارسية لتتمدد، وأن غض الطرف عن نشاط الحرس الثوري الإيراني كان له نتائجه الكارثية. وأن السياسة الحمقاء التي تحالفت بموجبها واشنطن مع جماعات الإسلام السياسي، واعتمدت سياسة الفوضى الخلاقة كانت خير عون لنظام الملالي والميليشيات التابعة له، ليتمدد إلى سوريا ولبنان، ثم ليحاول بناء قاعدة أساسية له في اليمن، ليحاصر دول الخليج ويهدد الملاحة في البحر الأحمر.

كان التصور الذي تم الترويج له لتمرير الاتفاق النووي مع إيران هو أن هذا الاتفاق سوف يساعد على دعم قوى الاعتدال داخل إيران، وسوف يطمئن طهران على أنها لن تكون مستهدفة إذا التزمت بما اتفقت عليه، وأن هذا سيكون دافعاً إلى أن تتحول إيران إلى عنصر استقرار للمنطقة وللعالم!

لكن ما حدث كان العكس على طول الخط، رأى حكام إيران في الاتفاق انتصاراً لرؤيتهم، وتصرفوا على أن القوة التي أرغمت الدول الكبرى على الاتفاق النووي هي نفسها التي ستمكنهم من التوسع في المنطقة وبناء إمبراطورية فارسية تستعيد ما مضى من تاريخ اندثر! وبدلاً من مواجهة هذه التطلعات بحسم من البداية.. رأينا سباقاً لعقد الصفقات مع نظام الملالي في طهران انتظاراً للإفراج عن الأموال التي كانت مصادرة وانفتاح الأبواب أمام الاقتصاد الإيراني الذي سيطر عليه جنرالات الحرس الثوري.

وإذا كانت واشنطن قد بدأت تستفيق مؤخراً على مخاطر الفصل بين الملف النووي وبين السياسات العدوانية للنظام الحاكم في إيران، وبدأت تدرك خطأ عدم سماع التحذيرات المبكرة وما أدى إليه من ترك الحبل على الغارب لكي تمد طهران نفوذها في المنطقة وتمارس سياستها في ضرب استقرار المنطقة، وفي إثارة الحروب الداخلية، وفي تكوين الميليشيات التابعة لها وإطلاقها لترفع أعلام طهران بدلاً من أعلامها الوطنية، ولتخوض معارك إيران خارج أراضيها، ولتكون سلاح دمار وتآمر في حرب لم تعد خافية ضد كل ما هو عربي!

إذا كانت واشنطن قد بدأت تستفيق مؤخراً، فإن رد الفعل الإيراني لا يبشر بخير، فطهران تتصور الآن أنها تملك من «فائض القوة» ما يمكنها من مد نفوذها من الخليج إلى البحر المتوسط من ناحية، وإلى البحر الأحمر من ناحية أخرى، وهي تنقل الصراع إلى مراحل بالغة الخطورة حين تبدأ حرب الصواريخ الباليستية بإمداد عملائها الحوثيين في اليمن بالصواريخ الإيرانية التي انطلق أحدها نحو الرياض وتم إسقاطه.

تقوم طهران بذلك وهي تدرك جيداً عواقب هذا التصعيد الخطير، وتعلم جيداً أنه لا السعودية ولا دول الخليج ولا الدول العربية سوف ترضى بأن تبقى تحت الخطر، أو سوف تقبل أن يخضع اليمن لنفوذ طهران، أو يتحول لبنان إلى ضيعة لقيادة الحرس الثوري!

ولا أحد بالطبع يريد حرباً جديدة مدمرة في منطقة ابتليت بالحروب التي استنزفت قواها، لا يفعل ذلك إلا من يتصورون أنهم يمتلكون «فائض القوة» الذي يضمن لهم المزيد من التوسع كما يتوهم حكام طهران، أو المغامرون والأتباع والعملاء ومن يرون أن من شاركوا في تدمير نصف العالم العربي، ومن يستهدفون بلاد الحرمين بالصواريخ الباليستية هم «الأشراف».

وتبقى أمامنا دروس التاريخ لمن يريد أن يعتبر. وهي تقول بوضوح إن من يقوده غرور القوة وحماقة الإرهاب لن يجد له مكاناً في هذا العالم. وإن من يراهن على ما قاله أحمق الدوحة من أن العروبة خرافة مضى زمانها سوف تصدمه الحقيقة. وإن من يتصور أن الشيعة العرب يمكن أن يكون ولاؤهم لغير أوطانهم هو واهم.

جوهر الصراع الآن.. أن حكام طهران يريدون إغراق العالم العربي بحروب داخلية وطائفية لكي يمتد نفوذهم ويقيموا إمبراطورتيهم الوهمية.. بينما المعركة الحقيقية هي بين الوجود العربي «بكل مكوناته السنية والشيعية وغيرهما» وبين خطر نما واستمر على مدى ما يقرب من أربعين عاماً يصدر الفتنة ويزرع الدمار في المنطقة.

هذا هو جوهر الصراع الذي يدخل مع استخدام الصواريخ الباليستية مرحلته الأخطر التي تستوعب من العالم كله أن يتحرك لدرء الخطر الذي صمت عليه طويلاً!

Email