مليون مبرمج عربي.. لمَ لا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يختلف الناس في رؤيتهم لأنفسهم ولما يدور حولهم من أحداث وكذلك في تقديراتهم وتقييماتهم لمن حولهم، كما تختلف رؤاهم لحركة التاريخ فمنهم من يهرب من واقعه حين يواجه بمعضلة أو تحد ينزوي ويلوذ بماض لم يكن له فيه دور بقدر الرغبة في استحضاره حين لا يقدر على تحديات الحاضر، وحين يعجز عن القيام بفعل إيجابي مؤثر في من حوله لا يلوم نفسه ولكن يلوم غيره ويقوم بإسقاط حالة العجز وانعدام القدرة وغياب الإرادة على غيره خوفاً من أن يواجه بها نفسه، لذا قال رسولنا الحكيم صلوات ربي وسلامه عليه «من قال هلك الناس فهو أهلكهم أو فقد أهلكهم»، وكأنه شكل من أشكال الهروب من تحمل المسؤولية والفشل في رؤية النور القادم والرغبة في العيش في نفق مظلم، هذا حال بعض البشر، وليت الأمر يتوقف عند ذلك بل أن هناك ممن وكل إليهم مسؤولية شعوبهم فلا يصدرون لهم غير الإحباط وعدم الثقة بالنفس وانعدام الأمل في المستقبل، فينكفئ الفرد على ذاته وتنعدم القدرة على التفكير فضلاً عن الحركة والتفكير في الغد.

غير أنه على الضفة الأخرى من النهر هناك من يطلق عليهم قادة بحق، وهم الذين يملكون الثقة في قدراتهم ويغرسونها في شعوبهم، واستيعاب الواقع ويضعون مفرداته ولغته وييسرون فهمه للسائرين على دربهم، ويستشرفون آفاق المستقبل ويدلجون آفاقه الرحبة وينيرونها أمام شبابهم، ويملكون إرادة الفعل يدربون أبناءهم على سبل تعزيزها. تلك هي القيادة الحقة التي تصدر الأمل وتقتل الإحباط وتدفع للفعل وتفك أغلال العجز، قادرة على المبادرة في الوقت المناسب والمكان والزمان الصحيحين.

من هنا جاء المشروع النهضوي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد «مليون مبرمج عربي» في إطار استئناف الحضارة العربية، والارتقاء بواقع المنطقة، والخروج من دائرة اليأس إلى آفاق العمل، وتحفيز الابتكار، وصناعة التغيير الإيجابي، وغرس الأمل وسط الشباب العربي، الذين يشكلون النسبة الأكبر من الشعوب العربية والقوة الدافعة للتنمية المستدامة والمستهدفين من كل تطور والضامنين له. ولا شك أن استهداف قطاع الشباب بهذا المشروع الحضاري المهم يمثل طوق نجاة للحفاظ على دافعيتهم وتجديد العزم واستنهاض الهمم والحفز على التفكير المبدع وعودة الروح، وبخاصة في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها منطقتنا والتحديات التي تواجههم.

ولا شك أن تقدم نحو نصف مليون شخص من 22 دولة خلال أسبوع واحد للمشاركة في تلك المبادرة ليؤكد أن شبابنا بخير، وأنهم مازال لديهم الرغبة والإرادة، لكنهم يبحثون عمن يقودهم ويفتح لهم الآفاق ليعبروا عن ذواتهم وليشمروا عن سواعدهم، إن شباب منطقتنا هم ذخر البلاد، الإمارات التي كانت وستظل تضع داراً للإبداع وبيئة مواتية للتميز والابتكار لمواطنيها والراغبين.

الإمارات كانت وستظل تخرج من أراضيها مبادرات النفع والخير لشعوب المنطقة والعالم، إن عيون شباب العرب ترنو إلى اليوم الذي يتوجون فيه كرواد للشباب العربي في مجال هو عصب الحياة في الحاضر ولغته اليومية كما أنه كل المستقبل ومن خرج منه فقد خرج من أن يكون له موضع قدم في حركة النمو والتطور.

إن هذا المشروع الرائد يبث الأمل عبر العمل في نفوس شباب منطقة هي أحوج ما تكون لمثل تلك الرؤى الكبيرة، كما أن وضع أطر مؤسسية لها، ومساندة القيادة السياسية ودفعها لها، فضلاً عن المشاركة المجتمعية من خلال مؤسسات القطاع الخاص، كلها عناصر تزيد من متانة النسيج المجتمعي من تكامل في الأدوار وتناغمها لتنسج في الأخير لوحة من النجاح والفخر تكون مثلاً يحتذى به على مستوى البلاد والمنطقة والعالم، ولتدب روح التنافس في البناء لا الهدم والتقدم لا التخريب والولوج إلى عالم جديد بدلاً من الوقوف على أعتابه وبناء المستقبل بدلاً من البكاء على أمجاد الماضي، وتؤكد كذلك على دور مؤسسات المجتمع في تحمل مسؤوليتها الوطنية والمشاركة بفاعليه في مسيرة البناء، وهو ما يجذر لها على الأرض وفي النفوس باعتبارها موطناً صالحاً ويزيد من متانة الظهير المجتمعي لها.

وفي تقديري أن عطاء وتأثير ذلك المشروع الحضاري والذي انضم تحت رايته في أيامه الأولى هذا الحشد الضخم من الشباب له ما بعده، باعتبار أن هؤلاء الشباب سيكونون بلا شك سفراء للعلم في بلدانهم، كما أنه سيكون لهم دور كبير في نشر ثقافة العلم والسعي إلى المعرفة لدى أقرانهم، لتكون المحصلة خيراً يعم، وثقافة تتألق، وروحاً تدب، وسباقاً إلى التميز نحو العلا، استجابة لرسالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حينما قال «رسالتي للشباب العربي ألا ينتظروا بل يبادروا، لأن الانتظار ضياع للسنوات وفوات الإنجازات، واليوم أمامنا فرصة ونافذة علمية جديدة».

Email