كل خيوط الإرهاب تتجمع في قطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

القدر الذي كشفت عنه المخابرات المركزية الأميركية من الوثائق التي حصلت عليها عند مقتل أسامة بن لادن قبل ست سنوات، يكفي لتوجيه الأضواء حول مناطق جديدة في العلاقات المتشابكة بين فصائل الإرهاب العالمي.. لكنه ـ في الوقت نفسه ـ يطرح أسئلة عدة تنتظر الإجابة بشأن السياسة الأميركية حيال هذه الجماعات وكيفية مواجهتها!!

منذ سنوات والصرخات تتوالى بأن الإرهاب ملة واحدة، وأن الحرب عليه لابد أن تكون حرباً شاملة لا تستثني جماعة ولا تتسامح مع فصيل يمارس الإرهاب بحجة أن الإرهاب يمكن أن يكون «معتدلاً»!!

كانت الأصوات تتعالى لمحاصرة كل إرهاب وتحت أي لافتة.. بينما كانت السياسة الأميركية تصر على أن تتوجه الحرب فقط نحو «داعش» التي تم إطلاقها في ظروف مشبوهة، لتتصدر المشهد الإرهابي بوحشيتها المنحطة، أما باقي الجماعات من «الإخوان» إلى «القاعدة» فقد كان مطلوباً أن نتغاضى عن إرهابها. بل وصل الأمر إلى محاولة حصار مصر حين أسقطت حكم «الإخوان» الفاشي، وما زلنا حتى الآن أمام مقاومة غير مفهومة لإدراج جماعة «الإخوان» ضمن الجماعات الإرهابية من جانب واشنطن والعديد من دول الغرب!!

الآن.. تكشف المخابرات الأميركية عما كتبه بن لادن بنفسه عن نشأته في أحضان «الإخوان»، وفي ظل أفكارهم الإرهابية، وهو أمر لم يكن خافياً، وسبق أن أكده «الظواهري» خليفة بن لادن وقائد «القاعدة» بعد مقتله: الذي يعرف الجميع أنه كان عضواً فاعلاً في «الإخوان» بمصر قبل انضمامه إلى بن لادن في أفغانستان!

وفي الوقت نفسه تكشف الوثائق بخط بن لادن عن علاقته مع إيران التي أقام فيها ابنه وبعض أفراد عائلته، والتي أتاحت له السلاح والتدريب من أجل القيام بعمليات إرهابية ضد السعودية ودول الخليج. ولم يكن الأمر هنا مجرد بحث عن ملجأ أو عن طريق للمرور أو الإفلات من الحصار. وإنما الأمر في جوهره تعبير عن حقيقة أن التطرف لا يقاتل من أجل الدين كما يدعي، وإنما هو يتاجر بالدين من أجل أهداف سياسية. يلتقي الطرفان هنا «القاعدة وإيران» على التطرف، وعلى إثارة الحروب الطائفية لأن الهدف ليس الدفاع عن الدين بل تمزيق الأوطان ونشر الدمار على دول وحضارات.

وإذا كان بن لادن فيما سمحت المخابرات الأميركية بنشره من أوراقه الخاصة، يؤكد على علاقته الوثيقة بالنظام القطري لدرجة أن يطلب من ابنه وخليفته أن ينتقل من إيران إلى الدوحة طلباً لمزيد من الأمان في الدولة التي وفرت له الدعم والمنبر الإعلامي والتواصل التنظيمي. فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا تتجمع كل خيوط الإرهاب وجماعاته المختلفة في قطر؟ وكيف تصبح الدوحة ـ في وقت واحد ـ مركزاً للإخوان، وملاذاً للقاعدة، وحليفاً لطهران وحرسها الثوري؟ قد تكون الإجابة في اتفاق كل أطراف منظومة الإرهاب هذه على هدف واحد هو نشر الدمار والفوضى، في كل أنحاء الوطن العربي، وإسقاط كل الأنظمة وتفكيك كل الدول، مع التركيز على دول الخليج التي لا ينسى بن لادن أن يستثني منها حليفته قطر. منعاً للسهو والخطأ، وتأكيد على أن النظام القطري هو جزء لا يتجزأ من تحالف الإرهاب الذي يهدد المنطقة والعالم!!

كل هذا وأكثر تعرفه أميركا وغيرها من الدول الكبرى منذ سنوات، أما لماذا تكشف عنه المخابرات الأميركية الآن؟! فلأن الفصل التالي في كتاب الإرهاب المسلط علينا وعلى العالم، يراد له فيما يبدو أن تكون «القاعدة» عنواناً رئيسياً له مرة أخرى. فمع انهيار «داعش» (أو انتهاء الدور المرسوم لها!!) تعود الأمور إلى المسار الذي انقطع ومع التسليم بأن كل جماعات الإرهاب قد خرجت من عباءة «الإخوان» فإن «داعش» كانت خروجاً على تنظيم «القاعدة» في نقطة مركزية هي السعي لإقامة «دولة الخلافة»، وهو ما كانت تعارضه «القاعدة» لأنها ترى أن هذه الدولة المزعومة ستكون هدفاً سهلاً في الحرب على الإرهاب.

والآن.. ومع سقوط الدولة المزعومة للدواعش، إلا أن مركز الثقل مرشح للانتقال مرة أخرى إلى «القاعدة» التي استفادت من التركيز على محاربة «الدواعش» لتدعم وجودها في مناطق عدة، والتي تسعى الآن لاستقطاب «العائدين من سوريا» وإعادة تأهيلهم تحت قيادتها. ومن هنا فليس من قبيل المصادفة أن تعيد واشنطن تسليط الأضواء الآن على أسامة بن لادن، وأن تنشر المخابرات الأميركية ما نشرته من أوراق ومذكرات خاصة لمؤسس «القاعدة» وإننا ـ فيما يبدوـ أمام فصل جديد من الحرب على الإرهاب تمهد له واشنطن بطي صفحة «البغدادي» وإعادة تسليط الأضواء على «بن لادن». وبالتالي على خليفته «الظواهري» وأتباعه والمتحالفين معه.

وإذا كانت واشنطن قد أدركت أخيراً أن الإرهاب يغذي بعضه البعض الآخر، وأن إرهاباً تصدره إيران سيجد ـ على الجانب الآخر ـ إرهاباً يرفع راية القاعدة أو داعش. والعكس صحيح، والتعاون بين الطرفين سيفرض نفسه في النهاية، كما تكشف وثائق بن لادن، إذا كانت واشنطن قد أدركت ذلك أخيراً، فإن عليها «وعلى كل القوى المعادية للإرهاب» أن تتأكد أن مصداقية الحرب على الإرهاب لن تتحقق إلا إذا شمل كل فصائله وجفف كل منابعه. لم يعد مقبولاً أن تتأخر عملية إدراج «الإخوان» في قوائم الإرهاب. ولم يعد ممكناً التغاضي عن دول تدعم الإرهاب وتموله، أو عواصم تتحول إلى ملاذات آمنة للقتلة ومن زعماء الإرهاب الهاربين من العدالة.

ويبقى الأهم بالنسبة لنا فيما تكشفه الوثائق المنشورة: لقد كنا صبورين أكثر من اللازم على وضع تتحول فيه قطر إلى مركز تتجمع فيه كل خيوط الإرهاب وكل مكامن الخطر!!

Email