كردستان والإخفاقات المستمرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

على ما يبدو أنه لم يكن هدف الاستفتاء، الذي أجري في كردستان العراق الانفصال الفوري، بل كان تهيئة للحصول على وضع استقلالي أفضل وهو الكونفدرالية كونها مقدمة للانفصال لاحقاً، من خلال توافر ورقة ضغط قوية على بغداد، كما كان هناك هدف آخر يتعلق بتوحيد الصف الكردي خلف زعامة البارزاني. الإدارة الكردية فشلت في تحقيق الهدفين.

مضيفة بذلك إخفاقاً جديداً لسلسلة الإخفاقات التي واجهتها القضية الكردية، ولم يجد رئيس الإقليم أمامه، في ضوء ذلك، سوى التنحي مبعداً نفسه عن تحمل المسؤولية المباشرة عن النكسة، محملاً حلفاءه ومنافسيه مسؤولية ذلك، ومتهماً إياهم بالخيانة في الكلمة الوداعية التي وجهها للشعب الكردي.

ارتدادات الفشل ستكون مضرة جداً بمستقبل القضية الكردية فلم يعد لديها ما تطرحه حول المناطق المتنازع على عائديتها بل أصبح مستقبل الإقليم نفسه غير مضمون خاصة أن المعادين له قد وحدوا صفوفهم وهم يشكلون أكثرية قادرة في المجلس النيابي على إجراء تغييرات في الدستور بما يلحق الضرر بوحدة الإقليم وبالامتيازات التي حصل عليها الكرد.

الكرد مكون مهم في التوازنات السياسية داخل العراق الموحد، إلا أنهم لعبوا بورقتهم هذه بطريقة تفتقر للحكمة منذ البدايات الأولى لسقوط النظام السابق، فقد راهنوا على الحصول على مكاسب سريعة عبر الدخول في تحالفات غير متوازنة لم يكن العراق حاضراً في أجوائها وهو نهج لا يتسم ببعد النظر وحسن التقدير فقد قادهم في نهاية المطاف نحو العزلة شبه التامة محلياً وإقليمياً.

لا تزال نزعة الاستقلال والانفصال في دولة مستقلة موضوعاً يثير التساؤلات في الأوساط السياسية حول مدى انسجامها مع التطور الذي حصل في استراتيجيات بناء الكيانات في ظل النظام العالمي القائم، فهناك من يرى أن التطور العالمي يصب في صالح نزعة الاندماج وتشكيل التكتلات الكبيرة سياسياً أو اقتصادياً أو مالياً.

والدليل على ذلك فشل الاستفتاءين اللذين أجريا في إسكتلندا البريطانية وفي مقاطعة كيوبك الكندية حول الانفصال.

القضية الكردية من القضايا المزمنة في المنطقة، فالكرد أكبر تجمع إثني في الشرق الأوسط يطالب بالاستقلال في دولة خاصة، وقد شهدت قضيتهم صعوداً وهبوطاً منذ بداية طرحها مطلع القرن العشرين.

فمع الرفض الشديد الذي لاقته هذه القضية من خصومها إلا أنهم لم يتمكنوا من إخمادها، من جانب آخر لم يتمكن الكرد من تحقيق إنجازات تذكر إلا في المنعطفات الهامة في الواقع السياسي الإقليمي، الذي يفرزه اختلال التوازنات كما حصل في العراق منذ عام 1991.

وكما يحصل الآن في سوريا وهي إنجازات تقلق بعض دول الجوار التي لا تكتفي برفض ولادة دولة كردية، بل تتحفظ على أي حكم ذاتي للكرد، فجمهورية مهاباد الكردية التي تأسست في كردستان إيران عام 1946 لم تكن دولة مستقلة بل كانت كياناً بحكم ذاتي.

برهنت الأزمة الكردية بأن القوى المحلية غير قادرة على تغيير الواقع الجغرافي وأن القرارات الخطرة لا تزال بيد الكبار كما كانت قبل قرن من الزمن رغم تغير هوية هؤلاء الكبار.

الرفض الكبير الذي جوبه به الاستفتاء في كردستان العراق محلياً وإقليمياً ودولياً لم يحسم الأزمة بعد، ولن يلغي القضية الكردية، فالكرد لن يتنازلوا عن حلمهم وقضيتهم إلا أن الطريق لتحقيق ذلك في ضوء ما استجد سيكون أكثر صعوبة ووتيرة تحقيقه أكثر بطئاً أمام التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي وضعت أمامهم.

انتهت أزمة الاستفتاء وانكفأت أربيل والمطلوب الآن هو انتصار العراق الموحد، فهناك تعقيدات كثيرة ومسار شاق أمام الفرقاء، لتفادي الصراعات ولتلافي اندلاع القتال ووضع أسس تسوية سياسية ليس من موقع الغالب والمغلوب، بل من منطلق تحقيق مصالح جميع المكونات وليس أحلام وطموحات أو مشاريع دول.

 

Email