حزب جمهوري بديل في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

المعركة الدائرة اليوم داخل حزب الرئيس ترامب قد تنتهي إلى تلاشي الحزب الجمهوري كما نعرفه، ونشأة حزب جديد أكثر يمينية وربما تطرفاً من كل ما عهدناه في السنوات الماضية.

ورموز الحزب الجمهوري التي دخلت في معركة مع ترامب ومؤيديه قد تخسر تلك المعركة في الانتخابات التشريعية المقبلة.

هذا على الأقل ما يشير له استطلاعان لافتان للرأي العام أجرتهما مؤسسة بيو الأميركية، التي تحظى بمصداقية واسعة.

كنت الأسبوع الماضي قد كتبت عن عدد من الرموز المهمة للحزب الجمهوري، حزب ترامب، في الكونغرس وخارجه، ممن وجهوا انتقادات علنية للرئيس ترامب. والانتقادات التي وجهها هؤلاء هي أحد تجليات المعركة الضارية الدائرة اليوم حول روح الحزب الجمهوري.

وهي المعركة التي تحدثت بعض الصحف الأميركية عن آخر فصولها. فالواشنطن بوست، مثلاً، نشرت نهاية الأسبوع، تقريراً يتحدث عن دخول زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السناتور الجمهوري، ميتش ماكونيل، في معركة مفتوحة تستهدف خطة ستيف بانون، مستشار الرئيس السابق، التي أعدها للانتخابات التشريعية المقبلة في نوفمبر 2018.

لكن هذا الفصل من فصول المعركة لم يبدأ في الواقع إلا بعد أن كان بانون قد أعلن بنفسه أنه يخوض «حرباً» ضد أعضاء الكونغرس الجمهوريين عموماً وأعضاء مجلس الشيوخ تحديداً الذين يعارضون أجندة ترامب بل وعلى ميتش ماكونيل شخصياً. وهي المعركة التي تطورت أخيراً في صورة تنابذ ومعركة كلامية بين الاثنين. والمعركة الدائرة هي معركة حول روح الحزب الجمهوري وهويته.

فهي تدور بين التيار التقليدي في الحزب، بكل فصائله المعتدلة والراديكالية، وبين تيار جامح ظل دوماً على هامش الحزب الجمهوري وعلى تخومه ولكنه لعب دوراً حاسماً في دعم قاعدة ترامب الانتخابية.

وتيار الجموح، الذي يمثل ستيف بانون، أحد أهم رموزه يسعى في الانتخابات التشريعية المقبلة للتخلص من رموز التيار التقليدي واستبدالهم بأعضاء آخرين يقفون في المربع نفسه مع ترامب ويتبنون الأفكار نفسها بدءاً من مسألة «أميركا أولاً» ومروراً بالمواقف المناهضة للأقليات والمهاجرين والأجانب عموماً، ووصولاً للتشكك في التحالفات الدولية.

بعبارة أخرى، يسعى تيار الجموح لإعادة تشكيل الحزب الجمهوري، عبر دورات انتخابية متتالية، من خلال تفريغه من الرموز التي تختلف معه وإدخال عناصر جديدة بدلاً منها.

ورغم أن تيار الجموح لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من نخبة الحزب الجمهوري اليوم، إلا أن استطلاعاً لمؤسسة بيو نشرته في أكتوبر الجاري كشف عن أن نسبة مذهلة من ناخبي الحزب الجمهوري قد تقف مع ذلك التيار في أية انتخابات مقبلة تحتدم فيها المعركة بين ذلك التيار وباقي تيارات الحزب الجمهوري.

فقد قامت مؤسسة بيو بتصنيف ناخبي الحزب الجمهوري لمجموعات عدة، وحددت نسبة كل منها لمجموع ناخبي الحزب. فهي أطلقت على تيار الجموح اسم «محافظو أميركا أولاً»، وأشارت لأنهم يشكلون 15% فقط من ناخبي الحزب.

وشرحت سمات تلك المجموعة فوصفتهم بأنهم أكبر سناً وأقل تعليماً من باقي الجمهوريين. وهي قالت إن هؤلاء يؤيدون ترامب بشدة (بنسبة 90%)، ويتفقون معه بشأن كل القضايا أو أغلبيتها الساحقة.

لكن الأكثر أهمية فيما جاء في استطلاع بيو هو المجموعة التي أطلقت عليها اسم «المحافظون جوهرياً»، ووصفتهم بأنهم يمثلون التيار التقليدي من الجمهوريين، وهم في أغلبيتهم الساحقة «من الذكور الأفضل حالاً من الناحية الاقتصادية ويؤمنون بدور قوي للولايات المتحدة في الخارج وبالعولمة الاقتصادية»، ويمثلون حوالي 31% من ناخبي الحزب.

والأغلبية الكاسحة من هذه المجموعة، (80%)، تؤيد ترامب وتتفق معه بشأن القضايا. أما الفارق الرئيسي بين المجموعتين، فيأتي في موقف كل مجموعة من أداء ترامب الشخصي وطبيعة شخصيته، حيث تتحفظ المجموعة الثانية على بعض جوانب شخصية ترامب وطريقة أدائه بدرجة أكبر بكثير من مجموعة «أميركا أولاً».

وبينما يحظى ترامب بتلك النسب المرتفعة للغاية من التأييد داخل قطاعات واسعة في حزبه، حتى أن 69% من كل الجمهوريين يؤيدون ترامب في «كل القضايا أو أغلبها»، فإن استطلاعاً آخر لبيو أجرته في أغسطس الماضي، وجد أن 15% فقط من عموم الأميركيين هم الذين يؤيدونه بشأن «كل القضايا أو أغلبها».

لكن المعركة داخل الحزب الجمهوري وبين مرشحيه لا يحسمها عموم الناخبين وإنما يحسمها ناخبو الحزب وحدهم، فيما يعرف بالانتخابات التمهيدية، أي التي تدور بين مرشحي الحزب وبعضهم البعض.

ورغم أن الاقتراع العام سيجرى بعد عام كامل من الآن، مما يسمح بوقوع أحداث كبرى، إلا أنه ما لم يحدث مثل ذلك التحول الذي قد يغير من مواقف ناخبي الحزب فستكون نتيجة الانتخابات على الأرجح هي بداية النهاية للحزب الجمهوري كما نعرفه الآن.

المفارقة الأكثر دلالة في كل ذلك، هي أن الحزب الجمهوري، الذي نعرفه الآن، هو أصلاً حزب أكثر يمينية وتطرفاً من الحزب الجمهوري الذي كان موجوداً حتى تسعينيات القرن العشرين!

Email