أين البحوث والدراسات من كل هذه التحولات

ت + ت - الحجم الطبيعي

التحولات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة العربية، قبل وعقب ما يسمى بثورات الربيع العربي، لم تلقِ بأوزارها على الوضع الأمني العام فحسب، بل وعلى الأمن الاجتماعي الذي مرَّ باهتزازات وتداعيات كبيرة، لا يزال تأثيرها حاضراً، وهذه التداعيات تحتاج إلى العديد من الدراسات السوسيولوجية والبحوث والمراجعات الفكرية والواقعية، فهل تستطيع مراكز الأبحاث العربية، القيام بهذه المهمة، في ظل وضعها الحالي؟، لا أعتقد ذلك، فوضع مراكز الأبحاث العربية التي ظلت على حالها منذ سنوات طويلة، لا تكفي لاستيعاب مجرى التغيرات السريعة التي طرأت على المجتمع العربي، علاوة على ضعف ميزانياتها، وافتقارها إلى التنسيق العلمي في ما بينها من جهة، وبين المؤسسات الأكاديمية من جهة أخرى.

ولحد الآن ما ينتج عن هذه المراكز البحثية من بحوث ودراسات ودوريات، لا تغطي الواحد في المئة من الحاجة القائمة اليوم لدراسة الواقع، في ظل المتغيرات الكبيرة التي يواجهها المجتمع العربي، وحاجته إلى الرؤية العلمية لاستشراف المستقبل بعين بصيرة، ووفق مؤشرات دقيقة وواضحة.

ولو عددنا ما لكل الدول العربية من مراكز أبحاث، لوجدنا الرقم متواضعاً جداً، بالمقارنة مع الكيان الصهيوني، الذي يمتلك أكثر من ستمئة مركز للأبحاث العلمية فقط، فكيف بالأبحاث الفكرية والسياسية والاجتماعية، ولو علمنا أنها تصرف على هذه المراكز سنوياً 13 مليار دولار، وأنها تعتمد في صناعة القرار على هذه المراكز، فماذا نقول عن مراكزنا البحثية؟.

وقد لا يفطن المسؤول العربي إلى أهمية هذه المراكز، ذلك أنه لا ينتظر طويلاً لنتائج أبحاثها ومخرجاتها، وكثيراً ما ينصت إلى نتائج الأبحاث العالمية التي لا تجرى على بعض جوانب الواقع العربي، إلا لتظهره متخلفاً وهزيلاً ومتراجعاً.

والمؤسف حقاً، أنهم درسوا واقعنا أكثر منا، وعرفوا نقاط ضعفنا، فوجهوا فوهات أقلامهم وعدساتهم وأفلامهم باتجاه شبابنا، وخاصة بعد ما أتاح التقدم التكنولوجي فرص التواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، التي يستطيع من خلالها الفرد أن يرى العالم على طبق صغير، بحجم كف يده، صار الشباب العربي عرضة، بل وليمة دسمة، لعدد هائل من الموضوعات والفيديوهات والمقولات والرسومات، وحتى الأغاني والقصائد الموظفة توظيفاً مبرمجاً، وبشكل غير مباشر، لإحداث مركب الشعور بالنقص عند المواطن العربي، والشباب العربي بشكل خاص، فهي تغرس في عقله، أن العرب لم يعد لهم غير التغني بأمجادهم التي مضت، وأنهم شعب كسول وخامل، ولا يستطيع النهوض من كبواته، وأن الحكام العرب طغاة، وغرس مفاهيم الأنانية وحب الذات والفرقة والعنصرية والتطرف، أن الهجرة من البلد إلى الغرب هو الحل الأمثل.

وغير ذلك من مفاهيم مقلوبة أو غوغائية أو عنصرية، كثيراً ما يكون الشباب عرضة لتأثيراتها السيكولوجية، ككره الدين والنفور من البلد والأهل والشعور بلا جدوى الأشياء التي حوله.

ونعود فنقول إن مثل هذه الأفكار الغريبة التي نقرأها كل يوم من شباب عربي، بلغ بهم الإحباط درجاته القصوى، تستحق أن تدرس، ليس فقط للإحاطة بها ومعرفة حدودها وبؤرها، بل لإيجاد الحلول الواقعية والبدائل التي تعالج هذه الظواهر، كيف يقدم الطالب العربي على العلم وهو محبط، ويشعر أنه يعيش في أمة متخلفة، وتحيطها المخاوف من كل جانب؟، وكيف يعمل الشباب العربي بروح لا ترى في ما يعمله في الوظيفة أو أي مجال آخر جدوى؟، وكيف يخلص لوطنه وهو يحلم بالرحيل عنه؟.

لهذه الظواهر، انتبهت دولة الإمارات، ولأجل أن تسهم في الحد منها، وجهت مناراتها الثقافية والعلمية باتجاه شبابنا العربي، وقدمت المبادرات العملاقة، وما زالت تقدم الكثير، ولكن هل هذا يكفي؟.

إن على الدول العربية أن تفعل الكثير، وأن تدعم مراكز الأبحاث الحالية، وتنشئ مراكز أبحاث معاصرة، كي تحيط بأزمات المجتمع وتداعيات التحولات الكبيرة في المنطقة، كي تحصن أبناءها، فهم ضمانة الحاضر والمستقبل.

إن الفكر العربي والثقافة العربية، يجب ألا يكتفيا بالرد على دعاوى الغرب وقناعاته المغلوطة تجاه كل ما هو عربي وإسلامي، بل الرد على الواقع ذاته بمعالجات واقعية، تستند على بحوث ودراسات علمية، ولنوقد شمعةً، خير من أن نلعن الظلام.

Email