بريطانيا ودواعش سوريا والعراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشير التقديرات إلى انضمام 850 شخصاً من بريطانيا لتنظيم داعش في سوريا والعراق، وقد عاد حوالي نصفهم لبريطانيا وفقاً لأجهزة المخابرات وقتل 130 منهم. وقد أشار مدير المخابرات الداخلية البريطانية أندرو باركر إلى أن السلطات تحقق مع أكثر من 500 شخص في قضايا تتعلق بالإرهاب، وهناك 3000 آخرون منغمسون في أنشطة متطرفة.

وقد تمكنت قوات الأمن من إحباط قرابة 20 مخططاً إرهابياً خلال السنوات الأربع الأخيرة. هناك مخاوف من عودة العدد المتبقي من البريطانيين الداعشيين إلى البلاد وهو ما يمثل تهديداً للأمن داخل البلاد.

فى هذا السياق، أثارت تصريحات وزير التنمية الدولية البريطاني بخصوص قتل عناصر داعش تساؤلات عديدة، فقد قال روي ستيوارت: إن الطريقة الوحيدة للتعامل مع البريطانيين الذين انضموا لداعش بسوريا في كل الحالات تقريباً هي قتلهم.

وأضاف أن المنضمين لداعش يعتنقون عقيدة مفعمة بالكراهية، مشيراً إلى أنه على هؤلاء أن يتوقعوا أن يقتلوا بسبب الخطر الكبير الذي يمثلونه على أمن بريطانيا وأضاف «إنهم يعتنقون عقيدة تتضمن قتل أنفسهم وغيرهم، والسعي لاستخدام العنف والوحشية من أجل إعادة إنشاء دولة من القرن الثامن أوالسابع الميلادى».

وقد أكدت الحكومة البريطانية أن تصريحات الوزير تتسق مع السياسة البريطانية المعلنة بهذا الخصوص، فقد قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون مسبقاً «إن البريطانيين في صفوف داعش بسوريا والعراق جعلوا من أنفسهم هدفاً مشروعاً لصواريخ القوات الجوية الأميركية والبريطانية».

يبدو من التصريحات السابقة أن استخدام القوة هو الحل لمواجهة العناصر البريطانية الداعشية، فهل القوة تحل المشكلة؟ وهل هناك اتفاق داخل المجتمع البريطاني حول تلك المعالجة؟

لا أعتقد أن استخدام القوة وحدها يمكن أن تحل المشكلة لأسباب عديدة، منها تصريحات مدير المخابرات الداخلية البريطانية أندرو باركر الذي ذكر أن هناك صعوبة كبيرة في المراقبة الأمنية لكل المتطرفين، فقد كان منفذ هجوم مانشستر وأحد مرتكبي هجوم جسر لندن من ضمن 20 ألف شخص كانوا على قائمة السلطات الأمنية ولكنهم لم يستمروا كونهم أهدافاً يجب مراقبتها وذلك بسبب تغير الأولويات. وهناك حاجة لمراجعة كيفية قيام المخابرات الداخلية بتتبع المتطرفين والإرهابيين المحتملين وكيفية عمل الأولويات.

هناك صعوبة كبيرة في عمل ذلك، ومن هنا فقد أقر أندرو باركر بصعوبة منع كل المخططات الإرهابية في المستقبل. يري بعض المختصين في شؤون الإرهاب أن جهود مكافحة الإرهاب تحتاج إلى المثابرة وستستمر المشكلة للأمد المنظور.

إن استخدام القوة وإن كان قادراً على القضاء على داعش فى سوريا والعراق على المستوى اللوجستي، ولكن هناك الحرب الإلكترونية، حيث هناك الكثيرون المقتنعون بأيدلوجية داعش فى كل العالم ولا سيما بريطانيا، فقد أثبتت دراسة علمية حديثة أن بريطانيا هي الدولة الخامسة عالمياً من حيث استهلاك مواطنيها للمواد المتطرفة على الإنترنت.

إن حرب الإنترنت مع داعش هي طويلة لتعقد وصعوبة تفكيك وإغلاق كل منافذ الإنترنت أمام الداعشيين. قد يكون مقتلهم في الحرب نتيجة طبيعية ولكن هذا لا يوقف تمدد داعش في عقول بعض المسلمين في كل العالم لإقامة دولتهم المزعومة من وجهة نظرهم.

من جانب آخر هناك اختلافات داخل المجتمع البريطاني بخصوص البريطانيين الداعشيين، فقد أكد ماكس هيل المراجع المستقل لتشريعات الإرهاب أنه ينبغي السماح بعودة هؤلاء إلى بريطانيا وإدماجهم في المجتمع، ولكن هل يمكن إدماج هؤلاء بعد أن رأوا الموت لزملائهم أو أقاربهم؟ هل يمكن أن يغير هؤلاء أفكارهم عن الغرب؟ هل يمكن معرفة هؤلاء.

ولا سيما أن بعضهم عاد مسبقاً دون معرفة السلطات الأمنية؟ إنها معضلة صعبة أمام الحكومة البريطانية وتحتاج إلى منظومة خلاقة ومتكاملة لأن خطر هؤلاء على أمن البريطانيين هو كبير ومخيف ولا سيما في ظل سهولة تنفيذ مخططات إرهابية بالسكين أو بالسيارات أو قنابل مصنعة محلياً وبدائية. شهدت بريطانيا خمس عمليات إرهابية هذا العام وأحبطت ست مخططات إرهابية أخري أيضا خلال نفس الفترة.

إن مكافحة خطر الدواعش سيظل أحد التهديدات التي تواجه بريطانيا والعالم فى الأمد المنظور. إن قتل الدواعش البريطانيين لن ينهي المشكلة حتى لو قتلوا جميعاً لأنه يمكن أن يأتي إلى بريطانيا دواعش أوروبيون، بالإضافة إلى مخاطر داعش الإنترنتي.

كلما فكرت في تلك الظاهرة أشعر بالخوف على الإنسانية من شر الإرهاب، ولكن يجب العمل من خلال منظومة متكاملة وخلاقة لتخفيف مخاطر هذا الوباء الذي يشبه السرطان. هناك محاولات للقضاء على مرض السرطان ونجحت بعضها بصورة جزئية، ولكن لم يقض عليه بعد، هكذا مرض الإرهاب هناك محاولات للتقليل من مخاطره، ولكن لم نجد علاجاً متكاملاً ونهائياً له.

 

 

Email