إيران واستحقاقات السياسة الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأجواء قبل أيام من إلقاء خطابه في الرابع عشر من أكتوبر الجاري بالحديث عن مفاجأة تتعلق بتضييق الخناق على إيران، ونقل الخلافات معها إلى طور جديد من التصعيد في ما يتعلق بالاتفاقية النووية وما يتعلق كذلك بالحرس الثوري، منسوب التصعيد رجح احتمال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية ووضع الحرس الثوري الإيراني في خانة المنظمات الإرهابية.

جاء الخطاب بقرارات تصعيدية إلا أنها أقل من التوقعات فقد اكتفى الرئيس الأميركي بعدم اعتماد ما ورد في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التزام إيران ببنود الاتفاق، الذي سبق واعتمده مرتين وهو تقرير يصدر كل ثلاثة شهور، محيلاً إياه إلى الكونغرس للبت بمدى التزام إيران من عدمه في إطار نظرة أكثر سعة وشمولية، وأصدر توجيهات لوزارة العدل بفرض عقوبات على الحرس الثوري.

فقد وثقت الوكالة الدولية خرقاً للمرة الثانية لأحد بنود الاتفاقية وهو تخطي إيران للحد المسموح تخزينه من الماء الثقيل وهو 130 طناً مترياً، كما أن السلطات الإيرانية تمنع موظفي الوكالة من تفتيش بعض المواقع العسكرية.

من الطبيعي أن يثير الخطاب بعض القلق في أوروبا والكثير منه في إيران لما له من تداعيات على معادلات التوازن السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة وخارجها، فطروحات إدارة الرئيس ترامب منذ تسلمها السلطة قد غيرت الأجواء في أوروبا في ما يخص الموقف من إيران، فالتهديدات التي توجهها هذه الإدارة ضدها يمكن أن تساعد في خدمه أهداف أوسع، أو على الأقل منعها من خلق أزمه أخرى.

فعلى مدى الشهور المنصرمة أظهرت أوروبا علامات تنم عن استعدادها للتصدي لدعم النظام الإيراني للإرهاب وتعديل الاتفاق النووي، حيث جرت اتصالات ومناقشات جدية بين خبراء أوروبيين وأميركان حول كيفية تعزيز الضغوط على إيران وزيادتها ومناقشة الموقف ما بعد تأريخ انقضاء الاتفاق النووي، فالاستحقاقات الزمنية المحددة للصفقة النووية مدعاة للقلق مع غياب أي دليل على أن إيران قد أصبحت أقل خطورة مع مرور الوقت، فهناك حاجة إلى استراتيجية أكثر فاعلية لاحتوائها.

إذ كيف يمكن التوصل إلى اتفاقية لا تخلو من إيماءات ودية مع إيران حول القضايا النووية في الوقت الذي تغمض الأعين على تلاعبها بشؤون المنطقة وزعزعة استقرارها وإلحاق أبلغ الأضرار بأمن حلفاء الغرب والولايات المتحدة.

لم تتعرض اتفاقية باريس للمناخ ولا اتفاقية الشراكة الاستراتيجية عبر المحيط الهادي ولا سياسة منظمة «يونيسكو» للهجوم والتنديد الذي تتعرض له الاتفاقية النووية، ومع ذلك انسحبت الإدارة الأميركية من تلك الاتفاقيات ولما تنسحب بعد من الاتفاقية النووية.

الرئيس ترامب يرغب حقاً في تمزيق الاتفاقية ولكنه تحت ضغوط مستشاريه خاصة وزير الدفاع وتحفظ شركائه في الاتفاقية تراجع، ربما مؤقتاً، عن اتخاذ قرار الانسحاب مفسحاً مزيداً من الوقت لتخفيف اعتراضات حلفائه في أوروبا أو جرهم للانخراط في جولة مفاوضات جديدة حول برنامج إيران للصواريخ البالستية أو إعادة النظر ببعض بنود الاتفاقية النووية أو إضافة بنود جديدة إليها.

فانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية يعني عملياً انهيارها ومنح إيران تفويضاً مطلقاً باستئناف العديد من الأنشطة النووية من دون قيود ما يضع الولايات المتحدة وحلفاءها أمام خيارين، تقبل إيران كونها دولة نووية كما جرى مع الهند وباكستان أو اللجوء إلى خيار القوة لمنع ذلك وما قد يجره ذلك من احتمال نشوب حرب قد تمتد إلى دول عديدة، وما يتمخض عن ذلك من أزمات لاحقة قد يصعب السيطرة على مآلاتها.

أعطى الرئيس أوباما الأولوية للتصدي لتنظيم داعش في حين يرى الرئيس ترامب أن التصدي لمشاريع إيران في المنطقة جزء من عملية التصدي للإرهاب، حيث تعمل الولايات المتحدة في سياق ذلك على تعزيز وجودها العسكري في المنطقة وحضورها اليقظ في الممرات المائية، التي تضمن وصولاً آمناً للنفط لأوروبا وشرق آسيا والعمل على تعزيز قوى ودفاعات حلفائها في المنطقة والعمل على إضعاف فرص إيران في التدخل في الشؤون الداخلية للدول عن طريق مساعدة هذه الدول.

ويأتي احتفال الولايات المتحدة بالذكرى الرابعة والثلاثين على تفجير مقر جنود المارينز في بيروت ومقتل عدد كبير منهم مؤشراً هاماً في سياق تصعيد التهديدات لإيران، حيث اتهم نائب الرئيس الذي رعى الحفل إيران وذراعها التنفيذية حزب الله بالوقوف وراء ذلك، ناعتاً إياها بالراعي الأكبر للإرهاب في العالم.

 

 

Email