بين كتالونيا وكردستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

التزامن في الاستفتاء بغية الانفصال في كتالونيا الإسبانية وكردستان العراقية يسمح بتسليط الضوء على المشتركات والفوارق بينهما، الحالة الكتالونية لم تحظى من قبل الاتحاد الأوروبي والغرب عموماً بتعاطف، على الرغم من أن الاستفتاء وحتى الانفصال إن حصل لن يقلق أمن القارة الأوروبية، فالأزمة الكتالونية إلى حد بعيد شأن إسباني داخلي.

إلا أن الحالة الكردستانية ليست كذلك فهي ليست فقط شأناً عراقياً محضاً طالما أن دول الجوار وبشكل خاص تركيا وإيران تعتبران وجود دولة كردية على حدودهما تهديداً خطيراً لأمنهما القومي، وتعتبرها الدول العظمى في الوقت الحاضر عاملاً جديداً لدفع المنطقة الملتهبة أصلاً إلى المزيد من العنف واللا استقرار، فالمعارضة التي لقيها الاستفتاء في الغرب لم تكن حول المبدأ بل حول التوقيت. كتالونيا لديها خلافات مع مدريد فقط.

إسبانيا والعراق يواجهان أبرز تهديد لكيانيهما ووحدتيهما ولمكانتيهما إقليمياً ودولياً، بالنسبة لإسبانيا منذ انتهاء الحرب الأهلية في ثلاثينيات القرن المنصرم وبالنسبة للعراق منذ تأسيس دولته مطلع العشرينيات، الحكومتان في البلدين رفضتا الاستفتاء وحصلتا على قرار قضائي بمخالفته دستورياً، وبالتالي أصبح تدخل القوات الأمنية لمنع إجرائه مشروعاً.

في إقليم كتالونيا كان هناك حضور قوي للدولة الإسبانية ممثلة بقواها الأمنية التي تدخلت بعنف لمنع الاستفتاء، أما في إقليم كردستان وفي المناطق المتنازع عليها كان هناك حضور لقوات البيشمركة وغياب للدولة، لذلك مرت عملية الاستفتاء.

هناك بعض التشابه بين موقفي الرئيسين في كتالونيا وكردستان، الرئيس الكتالوني وقع إعلان الاستقلال وعلق تنفيذه لإعطاء المفاوضات مع مدريد فرصة، وهذا ما فعله رئيس كردستان، وهناك مواقف متشابهة أيضاً لدى الحكومتين في مدريد وبغداد اللتين رفضتا التعامل مع سيناريو كهذا واشترطتا إلغاء الاستفتاء لعدم شرعيته قبل الدخول في تفاوض، فهو قد أجري من طرف واحد.

مدريد وجهت إنذاراً للعاصمة الكتالونية برشلونة وأمهلتها خمسة أيام للتراجع وإلغاء الاستفتاء، وبغداد عملت الشيء نفسه من دون تحديد مهلة إلا أنها أرفقت ذلك بحزمة عقوبات مشددة على كردستان، في الحالة الإسبانية الحكومة المركزية تهدد بتعليق العمل بالنظام الفيدرالي للإقليم فالمادة 155 من الدستور الإسباني تسمح لها القيام بذلك، أما في الحالة العراقية فذلك لم يجري التطرق إليه لأنه لا يوجد ما يقابل هذه المادة في الدستور العراقي.

في كتالونيا هناك معارضون كثر للانفصال وهناك في كردستان معارضون كثر له كذلك، ومنهم من لم يظهروا للعلن إلا أخيراً حين قررت السليمانية انفصالها عن أربيل في صفقة مفاجئة مع بغداد لم يكشف عن تفاصيلها، غيرت معادلات التوازن حيث انسحبت على إثرها قوات البيشمركة من كركوك ومن جميع المنشآت الحيوية فيها وسلمتها لقوات الدولة الاتحادية، وكذلك من المناطق الأخرى التي كانت تحت إدارة الدولة الاتحادية قبل ظهور تنظيم داعش، وليس من المتوقع أن تذهب قوات الدولة الاتحادية إلى أبعد من ذلك فيما يتعلق بالمساس بحدود إقليم كردستان التي كان عليها عام 2003.

خطوة السليمانية تنهي حالة السلم مع أربيل وتفتح أبواب التوقعات عن مستقبل وحدة الإقليم نفسه وتعيد السخونة إلى الصراع القائم بينهما منذ تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني عام 1975، كما أن هذا الانفصال سيترك تأثيرات سلبية كبيرة على القضية الكردية وعلى مستقبل قادتها الذين أوصلوها إلى هذه النتيجة.

إسبانيا لا تحتاج إلى أطراف خارجية لمعالجة الأزمة الكتالونية في حين يحتاج العراق ذلك وبقوة لمعالجة أزمة كردستان، فباب الحوار بين بغداد وأربيل قد أوصد منذ سنوات تفاقمت فيها الخلافات وتعقدت التداخلات على الأرض خلال الحرب على تنظيم داعش مما يتطلب تدخلاً خارجياً خاصة من قبل الولايات المتحدة التي يزداد انشغالها بشؤون المنطقة وفي المقدمة الشأن العراقي، حيث يوجد لديها في كردستان وحدها عدد من القواعد العسكرية، خاصة وأن الرئيس ترامب أعلن صراحة أنه ضد استفتاء كردستان العراق.

 

 

Email