تأثير جماعات المصالح الأميركية يعود للواجهة

ت + ت - الحجم الطبيعي

جريمة لاس فيجاس التى راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح تكشف عن الدور الخطير الذي تلعبه جماعات المصالح الأميركية. فتنظيم سياسي واحد هو الاتحاد العام للبندقية مسؤول بالدرجة الأولى عن عجز الحكومة الفيدرالية عن إصدار قوانين تنظم عملية حيازة السلاح واستخدامه فى المجتمع الأميركي.

والحقيقة أنه في كل مرة تقع فيها جريمة قتل جماعي يتعجب الناس في العالم، شرقاً وغرباً، من الوضع في الولايات المتحدة ويكتشفون مدى استثنائيته. فالشرطة وجدت في غرفة مرتكب الجريمة عشرات الأسلحة وكمية مذهلة من الذخيرة اشتراها، بالمناسبة، بطريقة قانونية.

وما قد لا يعلمه الكثيرون هو أن هناك ما يزيد على الثلاثمائة مليون قطعة سلاح متداولة في يد العامة في الولايات المتحدة. والقيود التي تفرضها القوانين الأميركية على حيازة كميات كبيرة من السلاح محدودة للغاية.

أما الجدل السياسي، فيدور في جوهره حول ما إذا كان حق المواطن الذي نص عليه الدستور الأميركى فى «حيازة السلاح وحمله» يحظر عملية تنظيم ذلك الحق وتقنين كيفية ممارسته. والحقيقة أن الاتحاد العام للبندقية هو أهم اللاعبين في ذلك الجدل، ليس فقط كمجرد طرف في السجال الدائر وإنما، وهو الأهم، كالطرف الذي يقوم بصياغة الإطار العام الذي يدور فيه الجدل أصلاً.

فالاتحاد يصوغ الجدل باعتباره صراعاً بين المدافعين عن الدستور «والحقوق» التي كفلها وبين الراغبين في هدمها. وهي في الواقع صياغة تخدم المصالح التي يدافع عنها الاتحاد، بينما تتجاهل في الوقت ذاته «حقوق» ضحايا العنف الذي ينتج عن ممارسة الحق في حيازة السلاح في غياب قوانين تنظمه.

غير أن الاتحاد العام للبندقية، الذي نشأ في القرن التاسع عشر، لم يكن، وحتى ستينات القرن العشرين، مناهضاً لوضع قوانين تنظم عملية اقتناء السلاح. بل إنه تعاون مع السلطات الفيدرالية طوال تلك الفترة، لدرجة أنه كان من أهم القوى التي تعاونت بعد اغتيال الرئيس كينيدى لإصدار وتنفيذ قوانين فيدرالية تنظم ذلك الحق.

لكن التحولات السياسية التي شهدتها الولايات المتحدة في الستينات عكست نفسها على الاتحاد العام للبندقية. فالغليان الذي شهدته الستينات في الجامعات والشوارع في مناهضة حرب فيتنام أثار قلق المحافظين الأميركيين عموماً وبالذات في ولايات الجنوب المحافظة بطبيعتها. لكن الجنوب الأميركي شهد أيضاً تحولات ضخمة عشية حركة الحقوق المدنية.

فالمحافظون من البيض في تلك الولايات اعتبروا أن حركة الحقوق المدنية ذهبت بعيداً نحو دعم الأقليات عموماً والسود على وجه الخصوص. وهم الذين لم يقبل الكثيرون من البيض المساواة الكاملة معهم.

وقد كان كل ذلك إيذاناً بلجوء أولئك البيض لاقتناء المزيد من كميات السلاح بدعوى «حماية أنفسهم». وقد تزامن مع ذلك صراع حول الزعامة داخل الاتحاد فاز فيه هارلون كارتر الذي كان مناهضاً لحقوق الأقليات، وأول من تبنى رفض أية قيود على اقتناء السلاح بدعوى أنه حق دستوري يحمي المواطن من قمع الحكومة الفيدرالية. وهي الفكرة التي صارت جوهرية في عمل الاتحاد منذ ذلك التاريخ.

والاتحاد العام للبندقية يمتلك كل المقومات التي إذا ما امتلكت إحدى جماعات المصالح واحدة منها فقط صارت من جماعات المصالح القوية. فالاتحاد ليس فقط صاحب عضوية ضخمة تصل إلى 5 ملايين عضو، وإنما يتسم أعضاؤه بأنهم يؤمنون بقوة بأفكاره وعلى استعداد للدفاع عنها والتصويت على أساسها في الانتخابات العامة.

ويملك الاتحاد، ثانياً، ميزانية ضخمة ينفق منها الملايين في كل عام انتخابي لتمويل المرشحين للمناصب المختلفة على المستويين الفيدرالي ومستوى الولايات.

غير أنه، مثله مثل كل جماعات المصالح القوية، لا ينفق الاتحاد فقط على الحملات الانتخابية وإنما يمول أيضاً حملات دعاية طوال الوقت، فضلاً عن أنشطة أخرى يسعى من خلالها لتطويع عملية صنع القرار لصالحه. فعلى سبيل المثال، أنفق الاتحاد، هذا العام، وهو ليس عاماً انتخابياً، ما يزيد على 3 ملايين دولار للتأثير على قرار الكونغرس بشأن عدد من القوانين المقترحة والتي تخص حيازة السلاح وحمله.

والاتحاد العام للبندقية يتمتع بجهاز تنظيمي عالي الكفاءة يسمح له بالتأثير بقوة على عملية صنع القرار بما يفوق مجرد تمويل الانتخابات. فالاتحاد يقوم بالتواصل المنظم والمستمر مع أعضاء الكونغرس. ولكنه وهو الأهم يقوم بالتواصل المستمر مع أعضائه، ويقوم بتعبئتهم بين ليلة وضحاها لدعم موقفه، سواء مع أي مشروع قانون أو ضده.

وهو يقوم في الوقت ذاته بوضع درجات لأعضاء الكونغرس وفق تأييدهم لمواقفه. وهي درجات كثيراً ما تكون كفيلة بهزيمة أحد الأعضاء في الانتخابات، مما يجعل للاتحاد هيبة يخشاها الكثير من هؤلاء الأعضاء. الجدير بالتأمل هو أن الكشف عن الدور الخطير لأي جماعة مصلحة لا يضعفها في الحقيقة وإنما يقويها لأنه يزيد هيبتها.

Email