خارطة عقول الأجيال ترسمها الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

ـ تحدي القراءة العربي يتحدى الجهل والتخلف والظلام.

ـ مليون طفل وشاب على عموم الوطن العربي يستوعبهم المشروع كل عام.

ـ خمسة ملايين كتاب تُقرأ خلال العام الدراسي الواحد. وهذا غيض من فيض مكارم الإمارات لشعبها وأمتها.

إن الكثير من المؤسسات الثقافية والأكاديمية ومراكز الأبحاث، وكثير من المفكرين والسياسيين والمثقفين أكدوا أن أحد أهم أسباب تراجع العرب هو ضعف التعليم والعزوف عن القراءة، وأن واحداً من أهم الحلول الناجعة لاستنهاض هذه الأمة يبدأ من الاهتمام بالصغار، تعليمهم وتعويدهم على القراءة لينشأ جيل قادر على تحمل المسؤولية في بناء المجتمع وتقدمه.

فالحقائق على الأرض تقول إن معدل القراءة للفرد العربي يبلغ ربع صفحة سنوياً مقابل 11 كتاباً في أمريكا و7 كتب في بريطانيا، وإن قراءة الطفل العربي تبلغ ست دقائق في العام مقارنة بـ12 ألف دقيقة للطفل في الغرب ولم يحرك أحد ساكناً ولم يبرز من يتحدى هذا الواقع المرير بمشروع فاعل.

وكانت المبادرة الخلاقة تحدي القراءة العربي في سبتمبر من عام 2015 حين أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مشروعاً ضخماً لقراءة الكتب يعد الأول من نوعه على مستوى الإمارات والوطن العربي بل الشرق الأوسط كله، مشروع يعد ثورة علمية وثقافية حقيقية فجرها سموه في ما سماه (تحدي القراءة العربي) وهو مشروع يهدف إلى تنمية حب القراءة لدى جيل الأطفال والشباب في العالم العربي، وغرسها كعادة متأصلة في حياتهم تعزز ملكة الفضول وشغف المعرفة لديهم وتوسع مداركهم وتنمي مهاراتهم في التفكير والنقد والتعبير، وتعزيز قيم التسامح والانفتاح الفكري والثقافي لديهم.

كما يستهدف المشروع التربويين وأسر التلاميذ والطلاب المشمولين بالمشروع في الوطن العربي ليكون لهم دور في تحقيق أهداف المشروع في تغيير واقع القراءة وغرس حبها بين الأجيال القادمة.

يقول الشيخ محمد بن راشد «أول كتاب يمسكه الطلاب يكتب أول سطر في مستقبلهم» وقد سطرت أجندة المشروع أهدافاً سامية أخرى مثل، زيادة الوعي بأهمية القراءة لدى الطلبة في العالم العربي، تنمية مهارات التعليم الذاتي والتفكير التحليلي الناقد وتوسيع المدارك، تنمية الجوانب العاطفية والفكرية لدى الطلاب، تحسين مهارات اللغة العربية لدى الطلاب لزيادة قدرتهم على التعبير بطلاقة وفصاحة وتعزيز الوعي الثقافي لدى الطلاب وتوسيع آفاق تفكيرهم، تعزيز الحس الوطني والعروبة والشعور بالانتماء إلى أمة عربية واحدة.

وكانت الخطة واضحة ودقيقة، فعلى مدى العام الدراسي الأول للمشروع اتسعت الخطة لمليون تلميذ وطالب عربي لقراءة خمسين مليون كتاب، أي كان على كل مشارك أن يقرأ خلال السنة الدراسية خمسين كتاباً مقسمة على خمس مراحل كل مرحلة يقرأ خلالها عشرة كتب، وخولت المشرف التربوي في المدرسة اختيار الكتب وقد تم ذلك وتم تكريم الفائزين بحفل مهيب حضره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد شخصياً.

وكان للحوافز المالية والمعنوية والتكريمات والجوائز أثر بالغ في نجاح المشروع واستمراره فالعلم والتعليم والثقافة لا تعطي ثمارها من دون سند وحوافز ومستلزمات ومتطلبات تجعل من المقبل على العلم والتعليم متجهاً بكل رغبته لهذا المجال ولا يشغله شاغل آخر.

إن مشروعاً تعليمياً وثقافياً قومياً كهذا لا يصدر إلا عن رجل وضع نصب عينيه حاضر ومستقبل وطنه وأمته العربية ويتحسس في قلبه ووجدانه المسؤولية التاريخية للنهوض بالواقع التعليمي والثقافي للأجيال الحالية والمستقبلية، وسيكون هذا المشروع فاتحة خير لردم الهوة الحضارية الحاصلة بين العرب وبقية العالم المتقدم، وسيبني العقول النظيفة ويحيي في النفوس حب الخير وحب الوطن والأمة، سيدحر موجات الظلام وآفات التخلف والأمراض النفسية، سيفتح آفاق العلم والابتكار وبراءات الاختراع ونهوض الآداب والفنون، إنه مشروع كانت الأمة تحتاجه منذ عقود طويلة، لكن لم تبادر به أية جهة رغم امتلاك الكثير من أقطار الوطن العربي القدرات والإمكانات المادية.

إنها مبادرة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله ورعاه ومن ابتكاره ودعمه وكرمه المعنوي والمادي لصناعة الأجيال.

هذا المشروع العظيم سيساهم من ناحية أخرى في الحفاظ على سلامة اللغة العربية التي بدأت تواجه تحديات شتى، قال الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: «تعلموا العربية فإنها من دينكم» وسألوا الحكيم الصيني كونفشيوس: إذا استلمت مقاليد الحكم في البلاد فبأي شيء تبدأ؟ أجاب: إصلاح اللغة بكل تأكيد. وقال فونتين رئيس تحرير الليموند الفرنسية (اللغة هي الوطنية)، والمشروع سيكون حصناً آمناً لهذه اللغة الكريمة.

وهو بوابة الوعي وسلامة الأجيال، فلعل واحداً من أهم أسباب انخراط بعض الشباب العرب في الأحزاب الطائفية أو المنظمات الإرهابية هو انعدام وعيهم وهم في الغالب ممن انسلخوا من أطر التعليم لأسباب اقتصادية أو اجتماعية، أو ممن رافقوا رفاق السوء فحرفوهم عن جادة الطريق، وحسب آخر إحصائية للأمم المتحدة فإن عدد المتسربين من المدارس في الدول العربية بلغ 21 مليوناً بين طفل ويافع، هؤلاء من انقطع عن عقولهم تيار التعليم فأصبحوا في أوقات الحروب والأزمات خاصةً وبالاً على المجتمع.

وهنا لا بد من الإشادة بمكرمة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان لدعمه هذه المبادرة بالتبرع بمليون كتاب، حفظ الله قادتنا الحكماء وأعزهم بما يقدمون من عطاء لا حدود له لشعبهم وأمتهم ونسأل الله لهم التوفيق والسداد.

Email