اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعود قصة اللوبي الصهيوني المساند لإسرائيل إلى ما قبل تأسيس الدولة العبرية في فلسطين. فأحد أقطاب المنظمات الصهيونية الأميركية والعالمية هما عضوا المحكمة العليا في الولايات المتحدة، لويس برندايس وفليكس فرانكفورتر. وقد شجع الاثنان الرئيس ودرو ويلسون على الاعتراف بوعد بلفور. كما نشطا في عدة منظمات تروج للقضية الصهيونية وهو تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين.

وقد نشط اللوبي والذي كان بعض أعضائه قريبين من السلطة السياسية بل إن بعضهم خدم كمستشارين لصناع القرار الأميركي. وحسب أحد المصادر، وفي حادثة تشي عن قوة تأثير الجماعات الموالية لإسرائيل قبل الحرب الثانية لمنع تعيين أستاذ عربي في جامعة كولومبيا الشهيرة. وهذا الأستاذ ليس إلا المفكر لبناني المولد وعربي الهوى جورج أنطونيوس صاحب كتاب «اليقظة العربية». فقد عرضت الجامعة على أنطونيوس منصب أستاذ لحاجتها لتقوية برنامج الدراسات السامية، ولكن كانت جماعات الضغط الصهيونية له بالمرصاد. وسحبت الجامعة عرضها وكانت نهاية القصة.

الموضوع ذو شجون، ولكن ما أيقظ الإحساس به الآن هو مقالة كتبها منظر العلاقات الدولية والأستاذ في جامعة هارفرد العريقة، ستيفن والت، في 2 أكتوبر 2017 في المجلة اليهودية الليبرالية «ذا فورورد». ويشير الأستاذ والت إلى المقالة التي نشرها مع جون ميرشماير قبل عقد من الزمن حول اللوبي الإسرائيلي وتأثيره على السياسة الخارجية الأميركية قبل عقد من الزمن. وقد توسعا في أطروحتهما في كتاب يحمل نفس العنوان.

ويقول والت إن العقد السابق قد أثبت صحة ادعائهما بأن السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط رهينة اللوبي الإسرائيلي، وأن الفشل في التوصل إلى حل سلمي للصراع العربي - الإسرائيلي مرده تعنت إسرائيل وحماية اللوبي من أي نتائج سلبية على إسرائيل رغم تحديها للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة. بل إن الكاتبين يتهمان اللوبي الإسرائيلي، مع المحافظين الجدد المتعصبين لإسرائيل، بدفع الولايات المتحدة لغزو العراق.

وتقوم نظرية ميرشماير ووالت على أن السياسة الدولية أساسها الواقعية وأن الدولة تسعى لمصالحها من دون اعتبارات أخلاقية أو عاطفية. وبما أن العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لا تجلب أية منفعة لأميركا، بل إنها تزيد من خسائرها بسبب النقمة الشعبية والرسمية العربية، وتزيد من مخاطر الإرهاب التي تواجه الولايات المتحدة، فإن ما يفسر هذه العلاقة هو اللوبي الإسرائيلي المتحكم في سياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.

كما أنه ليس هناك قيم مشتركة تبرر هذه العلاقة الخاصة، فالولايات المتحدة لها قيم ليبرالية لا تشاطرها دولة إسرائيل القائمة على القومية الاثنية وتضطهد الأقلية الفلسطينية. كما أن إسرائيل تتحدى السياسة الأميركية في المنطقة بسبب تعنتها في العملية السلمية وبناء المزيد من المستوطنات والذي يقوض فرص السلام.

ويقول والت في مقاله الأخير إن ما حصل في العقد الأخير، أي منذ نشر المقالة حول اللوبي، يدعم الأطروحة الرئيسة لما قالاه في تلك المقالة.

ويقول والت إن اللوبي الإسرائيلي ما زال قوياً ومؤثراً رغم كل التغيرات التي طرأت على الساحة السياسية الأميركية مثل بروز حركة جي ستريت المساندة لإسرائيل، ولكنها تسعى إلى حل سلمي، وانتخاب رئيس من الأقلية وهو براك أوباما. وقد استطاع اللوبي أن يفشل المساعي الحميدة لأوباما ووزير الخارجية جون كيري لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط.

وقد سعى أوباما إلى إغراء إسرائيل بمزيد من المعونات العسكرية لتقبل بحل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ولكن واشنطن لم تستطع أن تضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي لقبول حل الدولتين. وبالتالي فشلت كل المحاولات بسبب التعنت الإسرائيلي وعدم قدرة الإدارة على قطع المساعدات عن إسرائيل لإرغامها على القبول بالحلول المقترحة.

وقد انبرى للرد عليه وفي نفس المجلة ميتشل هوتشبيرغ ودينس روس. فالأخير خدم كمبعوث لواشنطن للسلام في الشرق الأوسط، والأول باحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الموالي لإسرائيل. وقد كتبا أن والت لا يزال مخطئاً بالنسبة للوبي الإسرائيلي والذين يرون أن تأثيره ضعيف على السياسة الخارجية الأميركية.

وليس هناك أدل من سياسة الخارجية لأوباما على ضعف تأثير اللوبي على صنع السياسة الخارجية الأميركية. فعلى رغم معارضة اللوبي الإسرائيلي لصفقة البرنامج النووي مع إيران إلا أن الإدارة نجحت في التفاوض وإقراره.

ويقول الكاتبان إن معارضة أوباما لرغبات إسرائيل سوى في مسألة المستوطنات أو إيران ليست المرة الأولى التي يعترض فيها الرؤساء الأميركيون على السياسات الإسرائيلية. فقد وافق الرئيس جيمي كارتر على بيع طائرات اف-15 للسعودية رغم اعتراض اللوبي لهذه الصفقة. كما فعل الرئيس رونالد ريغان نفس الشيء في صفقة الإواكس التي حاول اللوبي أن يمنعها. وقد رفض الرئيس جورج بوش الأب ضمانات القروض بقيمة 10 مليارات دولار لإسرائيل بسبب بناء المستوطنات. وحينها اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير إلى تجميد المستوطنات للحصول على هذه الضمانات.

ورغم أهمية هذه الأمثلة كأدلة على نقاط التباين بين الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أنها لا تنفي قطعياً دور اللوبي الإسرائيلي في صنع سياسة خارجية منحازة إلى إسرائيل؛ ولم يجد علينا الكاتبان بتفسير مقنع عن سبب السياسة المحابية لإسرائيل على حساب الاستراتيجية الأميركية لإحلال السلام في المنطقة. بل إن أحد زملاء روس وهو أرون ديفيد ميلر اعترف بـ«أن المسؤولين الأميركيين المنخرطين في عملية السلام العربية - الإسرائيلية، بمن فيهم أنا، تصرفنا كما لو أننا محامي إسرائيل؛ نعتني وننسق مع الإسرائيليين على حساب التوصل إلى مفوضات سلام ناجحة.».

Email