مقارنات فاسدة وسياسات عوراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تجهر إسرائيل بتأييد طموح العراقيين الأكراد إلى الانخراط في دولة خاصة بهم، وتنكر ذلك على الشعب الفلسطيني، فإنها تبدو كمن يرى القشة في عيون الآخرين ويتعامى عن رؤية الخشبة التي في عينه.

ندفع بذلك وفي الخاطر أن المقارنة بين حالتي الأكراد والفلسطينيين لا تخلو من تجاوز للمنطق والموضوعية، ففي التحليل الأخير يبقى مطلب الأكراد بالاستقلال عن الدولة العراقية قضية قابلة للجدل بالمعاني التاريخية والثقافية والسياسية والفقهية القانونية. ولعل التوصيف الأكثر صدقية في تشخيص ما يسعون إليه، هو أنهم أصحاب نزعة انفصالية عن دولة وطنية أم لا تحظى بالتعاطف الإقليمي أو العالمي العام، ولا رصيد لها في قرارات التنظيمات الدولية المتعلقة بحقوق الشعوب في تقرير المصير.

أين هذه المعطيات من واقع الفلسطينيين وقضيتهم؛ التي تندرج تحت باب الخضوع عنوة وبالقوة العارية لاستعمار استيطاني من كيان استزرع في وطنهم التاريخي، ولا تجمعهم به صلة من أي نوع، وهم في كل حال شعب معترف له بالحق في التحرر والاستقلال وتقرير المصير.

على الرغم من هذه الحقائق والحيثيات، فإن مقاربة الدولة العراقية لقضية الأكراد، سمحت لهم بمساحة من التسيير الذاتي في الإدارة والتشريع واستغلال الموارد الجهوية. وذلك على نحو لا يمكن القياس عليه حين نستحضر حدود السيطرة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وانتهاكها لحقوقه الفردية والجماعية بكل المعاني المتصورة.

إيجازاً، تتجلى مفارقة عوار التعامل الإسرائيلي مع القضيتين، الكردية والفلسطينية، في أن تل أبيب هي على حد العلم العاصمة الوحيدة في عالمنا المعاصر، التي تسبغ على العراقيين الأكراد الحق في الانفصال والاستقلال الكامل، فيما إنها في الوقت ذاته وحيدة العصر والأوان؛ التي تضطلع بآخر نماذج استعمار دولة أخرى بالكامل اسمها فلسطين، وتجتهد لابتلاع أرضها وبعثرة شعبها والحيلولة دون استقلاله فيما يعرف بحل الدولتين خلافاً لإرادة الدنيا بأسرها.

يحدث هذا على الرغم من دراية نخب الحكم والسياسة في إسرائيل بما يجمع بين الأكراد وسواد العراقيين، ودرايتهم بما يفرق بين اليهود الصهاينة المستوطنين؛ المستجلبين من كل أرجاء المعمورة؛ وبين الشعب الفلسطيني.

نتأكد أكثر من وجود هذا العوار الكبير والسلوك المرضي، في ضوء عدم اكتراث السياسة الإسرائيلية بنزعة استقلال إقليم كتالونيا عن الدولة الأسبانية، على الرغم من تشابهها المحتمل مع ما يعتمل في كردستان العراق، وتزامن الاستفتاء في الإقليمين على الانفصال عن الوطن الأم في الإقليمين. نحن والحال كذلك إزاء مقاربة إسرائيلية لا صلة لها أبداً بالقيم والمبادئ الحانية على «استقلال شعوب أو أقليات مضطهدة». الأمر وما فيه أن إسرائيل تسعى لإيجاد نظائر لها من كيانات منمنمة، تدور في فلكها وتسبح بحمدها وتجعلها تبدو عملاقاً في إقليمها.

من بين ما يدعو للأسى في هذا السياق، عجز من يعتبرون أنفسهم أبطالاً وزعماء للأقليات في الرحاب العربية عن قراءة هذه السياسة الصهيونية الإسرائيلية بالغة الخبث. يقول مسعود برزاني «إن إسرائيل وكردستان وجنوب السودان، تعد مكونات شاذة تحاصرها الدول العربية، ولن يسمحوا بأن يكونوا ضحايا للعنف». لقد خلط الرجل الحابل بالنابل، وأوقع نفسه خلال سطرين في بحر من أخطاء مطالعة محيطه الإقليمي تاريخياً وثقافياً وجغرافياً وديموغرافياً وسياسياً. والأهم أنه لوى عنق حقيقة تخرق الأعين؛ هي أن جنوب السودان، الذي سبق كردستان إلى الانفصال والاستقلال، غارق الآن في لجة من التخاصم والعداء والاقتتال الدموي الداخلي، بما أدى إلى تشريد نصف الجنوبيين وإيرادهم موارد التهلكة.

في هذا الإطار، وددنا لو أن الزعيم الكردي فطن إلى معنى تزويد إسرائيل للقوى المتحاربة في جنوب السودان بالسلاح والعتاد، تماماً كما كانت تفعل معهم وقت أن كانوا شركاء في معسكر واحد ضد السودان الأم!

Email