الصين لا تعادي كوريا الشمالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من بين جميع علامات الاستفهام المحيطة بالأزمة الناشئة في كوريا الشمالية، تبدو الصين أنها الأكبر. لماذا لم تبذل الصين المزيد من الجهد؟ ألا تدرك أنها ستعزز مكانتها العالمية إذا تعاملت مع القضية، مرة واحدة وإلى الأبد؟

لوهلة من الزمن، كانت النظرية الرائجة أنه إذا ضغطت الصين على كوريا الشمالية، فإن النظام سينهار، مسبباً تدفقاً للاجئين إلى الصين، لكن هذه النظرية تتجاهل الكم الهائل من المساعدات الدولية التي سوف تتدفق أيضاً إلى الصين في حال حدوث تلك المشكلة.

ويتفق الخبراء أيضاً على أن الصين لم يعد لديها نفوذ على كوريا الشمالية كسابق عهدها. ويقولون إن مؤسس كوريا الشمالية، كيم إيل سونغ كان على علاقة صعبة مع الزعيم ماو تسي تونغ، ونجله كيم جونغ إيل تجاهل توسلات الصين لاعتناق إصلاحات موجهة نحو السوق. أما الزعيم الحالي كيم جونغ أون.

فقد أمر بإعدام عدد من المسؤولين الذين يعتقد بأنهم كانوا مقربين من الصين، بما في ذلك عمه وشقيقه. لكن مجدداً، تلك الحجج تنأى عن حقيقة أن 90% من تجارة كوريا الشمالية وكل نفطها، يمر عبر الصين، وأنه على مدى عقود، بذلت الصين كل ما في وسعها لتخفيف العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، وضمان بقاء اقتصادها واقفاً على قدميه، ونتيجة لذلك، بقيت البرامج الصاروخية والنووية للبلاد حية.

أخيراً، يبدو أن هناك مزيداً من التفاؤل بأن صانعي السياسات في الصين باتوا يدركون أن استمرار دعمهم لكوريا الشمالية يضر بمصالح بكين، إذ أفيد أن كوريا الجنوبية نشرت النظام الدفاعي «ثاد»، وسوف تكون قادرة على شراء صواريخ أميركية بحمولة أكبر.

بالإضافة إلى ذلك، هناك نداءات الآن في اليابان بإعادة النظر في الحظر الذي تفرضه البلاد على نشر الأسلحة النووية الأميركية على أراضيها، والكثير من الصينيين قد ضاقوا ذرعاً من عدوانية كوريا الشمالية تلك.

وبالعودة في الزمن إلى الخمسينات، استخدمت الصين انخراطها في الحرب الكورية كعذر لإطلاق حملات سياسية لتخليص مدنها من المشاعر المؤدية لأميركا.

وكما كتب مسؤول كبير في الحزب، رئيس وزراء جمهورية الصين الشعبية الأسبق، شو إن لاي، مع وصول الحرب إلى نهايتها: «الحركة من أجل قتال أميركا ودعم كوريا جاءت بنتائج هائلة. فمن دون هذا العدو، ما تمكنا من حشد مثل هذه القوة».

ولنتقدم في الزمن إلى عام 2003، عندما أجرت الصين، بناء على طلب الولايات المتحدة، المحادثات السداسية في محاولة للتعامل مع كوريا الشمالية بعد انسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وقد كان لهذه الخطوة أيضاً عنصر داخلي، ويتمثل في الإظهار للشعب المدى الذي وصلت إليه أهمية الصين، وبالتالي الحزب الشيوعي الصيني.

لكن لماذا تستمر الصين في مساعدة «الخاطفين»؟ لسبب واحد هو استمرار وجود فصيل هام داخل الحزب الشيوعي الصيني يعتقد، على الرغم من الانتقادات المتزايدة لكوريا الشمالية المسموح بها في الصحافة التي تديرها الدولة، بأن دعم الصين لكوريا الشمالية يقلص تدريجياً قوة الولايات المتحدة ومكانتها.

ويبقى هدف تقويض الولايات المتحدة داخل الصين وفي أنحاء آسيا هدفاً مركزياً للحزب، الذي يرى نفسه محاصراً بما يدعوه «قوات غربية عدائية»، بعبارات أخرى، من قبل الولايات المتحدة.

ثانياً وربما الأكثر أهمية، يجب أن يشعر المسؤولون في الحزب الشيوعي بالقلق إزاء التداعيات داخل الصين لموقف أكثر عدوانية تجاه كوريا الشمالية. إذا تدخلت بكين ونصبت زعيماً أكثر مرونة ليحل محل كيم، من يضمن ألا ينتفض الكوريون الشماليون ويحولوا بلادهم إلى عراق آخر، أو ربما ما هو أسوأ، إلى ديمقراطية؟

ويخشى مسؤول الحزب من إمكانية أن تؤدي ثورة في كوريا الشمالية أو انهيار للبلاد إلى بروز قوى داخل الصين تهز حكم الحزب الشيوعي هناك.

لنفكر في المجر وبولندا وباقي أوروبا الشرقية في عام 1989 وما أثارته الاضطرابات هناك في الاتحاد السوفييتي. في الصين، يعد انهيار الاتحاد السوفييتي الحدث الأكثر دراسة وتمحيصاً في التاريخ الحديث، فيما زعيم الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، والذي يصور كبطل في الغرب، هو المغفل في بكين.

وفيما يقول مسؤول أميركي كبير أنه أكثر تفاؤلاً من أي وقت مضى من أن سياسة الصين إزاء كوريا الشمالية تتغير، أعتقد أنه يجب الاقتضاء بنصيحة الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، عندما قال في إحدى المرات: ثق لن تحقق.

 

Email