«إيرما».. عقوبة أم ابتلاء؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

دوّن أحد الجُهال من أبناء وطننا العربي والإسلامي وعبر عن فكره المضمحل العقيم فيما يخص إعصار «إرما» الذي ضرب منطقة الكاريبي والولايات المتحدة الأميركية على موقع تويتر فغرد «اللهم أجعل إعصار إرما عذاباً وهلاكاً لمن قتل وشرد ودمر بلدان المسلمين»، وليس غريباً أن نشاهد مثل هذه التعليقات قُبيل حدوث أي كارثة طبيعية في بلاد الغرب.

ليس هذا الشخص وحده من كتب ودوّن تغريدات ومنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي معبراً عن ذات الفكر، إنما كان هناك الكثير من التعليقات المشابهة والتي دوّنها أناس بسطاء حمل فكرهم ومنهجهم في الحياة هذا الحقد الدفين لبلاد الغرب، والتمني بزوالهم والفرح في مصائبهم.

فهذا ما تعلموه في مدارسهم وهو ذاته ما خطب به خطباء المنابر عندما رفعوا أيديهم إلى السماء ودعوا في الغرب «اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم وفرط تدبيرهم وخرب بنيانهم وبدل أحوالهم وقرب آجالهم وأقطع أعمارهم وأشغلهم بأبدانهم وخذهم أخذ عزيز مقتدر»، ويرد العامة بقول «آمين»، دون إدراك منهم أن مثل هذه الممارسات تولد حقداً في القلوب مع مرور الزمن.

وبخلاف المنابر وما يقدمه البعض في الدروس والحوارات الدينية فقد كتب قبل عدة أعوام داعية إسلامي «محمد حسان» مقالاً يرجع سبب الزلازل وما تعيش به البشرية من مقت إلى الظلم والذنوب فكتب «الذنوب شؤم علينا وعلى الأمم في الدنيا والآخرة.

لا تقع مصيبة في الأرض مهما كان حجمها على المستوى الفردي أو الجماعي أو الأممي إلا بسبب الذنوب والمعاصي، حتى ما يحدث ويسميه المتخصصون بغضب الطبيعة-حاشا وكلا- يقولون لك غضب الطبيعة، زلزال هنا وثلوج هنالك وبرد قارص هنا وحرارة شديدة هنالك، ويسمي بعض المتخصصون في الوسائل الإعلامية هذه الظواهر الطبيعية بقولهم غضب الطبيعة. حاشا وكلا. بل أصدق وقل غضب الله جل جلاله»، عجباً لهذا الكلام أن يخرج من داعية إسلامي.

الأمر ذاته نعلمه لشبابنا في الجامعات، فها هي إحدى اللواتي يحملن شهادة الدكتوراه في العقيدة والمذاهب الإسلامية، والتي تعمل بإحدى الجامعات العربية تدوّن هي الأخرى بتغريدات مشابهة فكتبت «خوفهم من الإعصار هربوا جماعات، كم بطشوا وطغوا وظلموا، لله جنود يسلطها على من يشاء، فعقوبات الله لا تتكلم وتخبر أنها عقوبة»، في إشارة إلى أن سبب هذا الدمار الذي خلفه الإعصار والذي أضر 1.2 مليون شخص من عامة الناس بأنه غضب من الله، وليس كارثة طبيعية.

هذه الدكتورة والتي تُخرج لنا أجيال المستقبل لا تختلف كثيراً عن أولئك الجهلة الذي يفرحون لمصائب الناس، وخوف الأبرياء من النساء والأطفال من المستضعفين في الأرض، ويا كثرهم في وطننا العربي من حملت عقولهم هذا الفكر غير الأخلاقي وغير الإنساني، والذي غيّر وبدل مفهوم الإسلام دين التسامح والمحبة والسلام، وحوله إلى دين الكره والشماتة والتأويل على الله كما عبر عنه هؤلاء الجهلاء الظالمون لديننا الحنيف.

عندما ضربت أعاصير بلاد المسلمين كبنغلادش وباكستان وإندونيسيا وعُمان أسموها ابتلاء من الله، بينما عندما تضرب غير المسلمين أسموها عقوبة من الله، وهذا أمر ليس مستجداً أو مستحدثاً، فحتى في المستويات الشخصية نؤول الأمور بهذه الطريقة المقيتة، فعندما يصيب أحد الأشخاص مرضاً نقول هذه عقوبة الله، وعندما تصيب إمام المسجد نقول بأنه ابتلاء.

وإذا أحب الله عبداً ابتلاه، معايير غير متوازنة وغير منطقية في تحديد مصائر الناس، وكأن الغشاء مفتوح عن أعيننا وباستطاعتنا معرفة إرادة الله في هذا الكون، ولو تفكرنا قليلاً لوجدنا أن الله يعاقبنا أشد من عقوباتهم فما آلت إليه الأمور في وطننا العربي من قتل المسلم لأخيه المسلم لأشد من الأعاصير والزلازل التي أصابت بلاد الغرب!!.

وعلى الرغم من صدور بيان من قِبل مرجعيات إسلامية، قبل ثلاث سنوات بالتزامن مع ظهور نفس حالات «الشماتة والفرح» بسبب إعصار «ساندي» والذي ضرب الولايات المتحدة الأميركية، قالوا فيه، إنه لا يجوز شرعاً الشماتة في المصائب العامة مثل الأعاصير والزلازل والكوارث الطبيعية، إلا أن مثل هذه البيانات الصحفية أو الإعلامية لم تغير من الواقع إلا قليلاً.

ومثل هذه المنهجيات لتغيير الفكر لن تجدي نفعاً مع أناس تحمل في صدورها بغضاً شديداً للغرب فجعل فكرهم عدائياً وداعياً للكراهية ضد الآخرين، رغم أن هؤلاء أنفسهم من يسعى للهجرة والعمل في البلدان الغربية بحثاً عن الفرص المعيشية العادلة والتي يفقدها في بلده.

نحن بحاجة ماسة إلى إعادة قراءة تراثنا وموروثنا الإسلامي بمنظور إنساني بعيداً عن التأويل على الله في مصائر الناس، وبعيداً عن النظرة السلبية والعدائية للأمم والأديان الأخرى، وأيضاً بعيداً عن الخلاف السياسي والجيوسياسي والديني والعرقي، فأمتنا أصابها ما أصاب بني إسرائيل عندما باتوا يرون أنفسهم بأنهم شعب الله المختار، ونحن أصبحنا لا نختلف عنهم بتاتاً بل تفوقنا عليهم بأن أصبحنا نؤول على الله عز وجل ونفسر كافة الأمور وفقاً لوصايتنا على البشرية.

وما أرى إلا أننا بحاجة إلى إعادة النظر في تفاسيرنا للظواهر الطبيعية على أنها نتائج علمية لممارسات ضد الطبيعة تستوجب خفض الانبعاثات الغازية للتقليل من احتمالات ارتفاع حرارة الأرض بصورة لا يمكن التحكم فيها قبل أن نراها نتيجة ممارسات ضد الإنسانية.

 

 

 

Email