الوهم السياسي.. الحوثيون نموذجاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

الوهم الذي أقصد هو تلك التصورات والأفكار والخرافات التي يعتقد المرء بصحتها دون أي أساس واقعي ومنطقي وعقلي وعلمي، وبأنها قابلة للتحقق في الواقع. كما أنه رغبات تأخذ صورة الحقيقة دون التفكير المنطقي- الواقعي بإمكانية تطابقها مع مطلب الحياة وحاجاتها ومع منطق الأشياء والوقائع. فكل ما ليس بممكن الحدوث الآن ولا في المستقبل هو وهم.

أما الخيال فهو قوة عقلية مبدعة تتجاوز المألوف عبر تفكير يرسم صورة للممكنات في الحياة، ويمد البشرية بالثقافة الروحية المبدعة، كما يمد الإنسانية بحب الاكتشاف وذلك دون مغادرة حقل الواقع. وخيال كهذا حاضر في العلم والأدب والفلسفة والفكر الاجتماعي - السياسي.

لست في معرض البحث الفلسفي المجرد عن الوهم، ولا يحسبن أحد أن الأوهام وصناعتها وصنّاعها وانتشارها وتحولها إلى ممارسة عملية أمر عابر في حياة البشر أو أمر قليل الأثر في تحديد أنماط سلوكهم. بل إن خطر الأوهام على حياة الناس يصل إلى حد استخدام السلاح وممارسة القتل.

بل سأحصر اهتمامي بالوهم السياسي الذي هو أخطر الأوهام. أجل إن الوهم السياسي أمر في غاية الخطورة حتى لو توهم أصحابه أن وهمهم قد تحقق في الواقع.

يعود الوهم السياسي إلى غياب الخيال الواقعي، وإلى التفكير خارج حدود الممكن، بل قل: إن أصحاب الوهم لا يفكرون أصلاً ولا خيال لهم. وهنا تبرز خطورة الوهم السياسي، إنه الوهم القاتل. والوهم السياسي القاتل هو اعتقاد جماعة من الناس أن بمقدورهم عبر القوة تشكيل الواقع على هواهم وعلى قد وعيهم الزائف بالتاريخ، دون الاعتداد بالواقع والشروط الموضوعية، ودون الأخذ بعين الاعتبار الثمن الإنساني الذي يمكن دفعه مجاناً لتحقيق الوهم.

من الوهم القاتل أن تعتقد جماعة أيديولوجية /‏ عقائدية /‏ أنها قادرة على امتلاك السلطة السياسية والاحتفاظ بها إذا ما امتلكتها إلى ما لا نهاية عبر احتكار القوة، والعبث بالمجتمع حد الفجور ما بعد اللامعقول.

إن نتيجة وهم سياسي كهذا انفجار مجتمعي آجلاً أم عاجلاً. والوهم الأشد هو الدفاع عن استمرار الوهم بعد حدوث الانفجار عبر القوة المدمرة المتوحشة. كيف يمكن لأقلية، مثلاً، كالأقلية الحوثية في اليمن أن تحكم اليمن عبر القوة والأيديولوجيا؟ بل ما الثمن الذي سيدفعه اليمن فيما لو استمر الوهم في غيّه؟

كيف يمكن أن يقوم حكم في عالمنا المعاصر دون عقد وطني بين السكان مهما كان شكله وبنيته، ويكون مطابقاً للإرادة الكلية المجتمعية؟

ولعمري إن مواجهة الوهم السياسي لن تكون إلا بقوة الخيال السياسي الواقعي والخلّاق، وهو الخيال القادر على مواجهة الوهم السياسي المدمر. فلا يكون الرد على وهم سياسي بوهم سياسي آخر، ولو تخيلنا صراعات بين وهمين سياسيين فإن الدمار التاريخي للمجتمع لن يتوقف إلا بعد انتشار الموات.

فالخيال السياسي الخلاق يبني عالمه وفق قيم الحرية وحب الحياة وشروط الواقع الموضوعية، حتى لو كان هذا الخيال طوباوياً بالمعنى الإنساني، كتحقيق العدالة الاجتماعية ومملكة الحرية على الأرض، إن الأوتوبيا كهذه تزود البشر بحلم جميل، والحلم الجميل يصنع وعياً متصالحاً مع القيم الإنسانية التي ذكرت بعضها.

أما دور الخيال الخلاق الإبداعي في تشكيل الوعي الإنساني والإنسانوي، فأمر ذو طبيعة استراتيجية. فحضور الأدب بكل أنواعه والفن التشكيلي بكل صنوفه والفكر الفلسفي، والمسرح والسينما في حياة المجتمع واتساع دائرة المبدعين والمتلقين لا ينمي الخيال الخلاق فحسب بل ويساعد على إنتاجه.

 

 

Email