وتبقى مصر هي الجائزة الكبرى للعرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الدوام.. كان حصار مصر ومحاولة قطع الطريق بينها وبين العالم العربي هدفاً لأعداء الأمة، وكان منع مصر من امتلاك أسباب القوة هو الترجمة الحرفية لحقيقة أنها «رمانة الميزان» في الوطن العربي، وأن استقرارها وتقدمها يعني الاستقرار والتقدم لكل الأشقاء العرب، والعكس صحيح.

لم يكن عبثاً أن يعتبر من خططوا للفوضى التي وصفوها بـ«الخلاقة!!» في المنطقة أن مصر هي «الجائزة الكبرى» في هذا المخطط، وأن يحتفلوا بوقوعها في أسر جماعة «الإخوان»، وأن ينتفضوا بعد ذلك لمقاومة الثورة التي أسقطت حكم «الإخوان» الفاشي وكتبت بداية النهاية لكل جماعات الإرهاب ولكل أنظمة الحكم العميلة الداعمة له!!

ولقد مرت على مصر بعد ذلك أوقات صعبة، كان عليها أن تحارب الإرهاب في وقت تفرض فيه قوى كبرى «كان على رأسها أميركا» حظراً على السلاح الذي تحتاج إليه أشد الحاجة!! وكان عليها أن تبدأ بناء ما تم تدميره في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وتوقف لموارد السياحة، وتعطل لماكينات الإنتاج.

لكن مصر صمدت لكل هذه التحديات، واستطاعت بدعم صادق من أشقاء أعزاء ـ كان في مقدمتهم دولة الإمارات ـ أن تعبر الأوقات الصعبة، وأن تواصل بلا هوادة حربها ضد الإرهاب، وأن تسعى لإعادة بناء الدولة رغم الظروف، وأن تتبنى برنامجاً للإصلاح المالي تحمل شعب مصر أعباءه بصلابة نادرة.

وبينما كانت معظم دول العالم تصحح موقفها الذي اتخذته بعد 30 يونيو ـ وتبدي تقديرها لمصر التي أصرت على محاربة الإرهاب، بينما كان الكثيرون يدعون لمهادنته!! وتدرك أنها أخطأت حين اتبعت من راهنوا على «الإخوان» وباقي الجماعات الإرهابية التي ارتدت زي «الإسلام السياسي».

فكانت النتيجة وبالاً على الجميع وتهديداً لكل من ظن أنه بعيد عن الإرهاب الذي أشعل نيرانه بيديه متوهماً أنه لن يحترق!! بينما كانت معظم دول العالم تدرك الحقيقة وهي تكتوي بخطر الإرهاب، وتعرف أن مصر كانت على حق..

جاء قرار الكونغرس الأميركي بشأن المعونة الاقتصادية والعسكرية لمصر لكي يفتح جراحاً كنا نظن أنه قد آن الأوان لأن تندمل بعد أن تغيرت الإدارة الأميركية، وبعد أن أصبحت الحقائق أكبر من أن يتم إخفاؤها، وبعد أن سقطت كل الأقنعة، وظهر الإرهاب بكل فصائله كأنه فروع من أصل اسمه «الإخوان»!! وبعد أن ظهر الدور الإجرامي لكل الدول التابعة التي دعمت هذا الإرهاب، كما فعلت قطر وتركيا وإيران.

صحيح أن المبلغ الذي تم استقطاعه من المعونة الأميركية لا يتجاوز 95 مليون دولار، وأن المعونة الاقتصادية نفسها لا تساوي شيئاً في ميزانية دولة كمصر، وصحيح أن ما تم «تأجيله» من المعونة العسكرية (195 مليون دولار) قابلة للإعادة بعد المراجعة، لكن المهم أن القرار يعني أن الخطوط الأساسية للسياسة الأميركية كما تضعها الأجهزة الحاكمة مازالت كما هي بالنسبة لمصر والمنطقة!!

وأن ما يسعد العالم العربي كله «إلا من في قلوبهم مرض!!» من عودة مصر واستعادتها لدورها واستقرارها.. هو نفس ما يزعج من خططوا للفوضى «الخلاقة!!» وشجعوا على نشر الدمار في المنطقة لإعادة رسم خريطتها والتعامل معها كمنطقة نفوذ لقوى غير عربية!!

بالطبع.. لا أحد يتعامل بجدية مع حديث أعضاء في الكونغرس عن حقوق الإنسان بينما ولاؤهم الأساسي للكيان الصهيوني الذي يمثل أبشع جرائم العصر وآخر احتلال استيطاني في العالم رغم حديث السفير الأميركي الجديد في إسرائيل الذي يصف احتلالها للأرض الفلسطينية بأنه «احتلال مزعوم»!!

ما يزعج هؤلاء هو أن مصر بعد إسقاط حكم «الإخوان» وكشف أبعاد المؤامرة على العالم العربي والمشاركين فيها، قد أكدت قرارها المستقل ورؤيتها الرافضة للتبعية.

وما يزعج هؤلاء هو أن مصر قد استطاعت ضرب جماعات الإرهاب التي حاولت الاستيطان في أرضها، وأنها فرضت على الجميع احترام حدودها التي استطاعت تأمينها بأحدث الأسلحة في يد جيش وطني يبذل أغلى التضحيات في سبيل الوطن.

وما يزعج هؤلاء هو أن تصبح مصر المستقرة صمام أمان للوطن العربي، وأن تشكل مع الأشقاء في السعودية والإمارات والبحرين قاعدة لتعاون مشترك، في وقت تراهن فيه قوى دولية وإقليمية على استكمال مخططاتها في المنطقة في غياب الفعل العربي القادر على حماية المصالح العربية من المتآمرين وعملائهم، ومن جماعات الإرهاب ومن يدعمونها!

وما يزعج هؤلاء أن مصر تعبر أصعب الظروف التي واجهتها، المؤشرات تقول إن عجز الموازنة ينخفض بصورة كبيرة، وأن نسبة النمو تجاوزت 4% وفي طريقها للزيادة المطردة، وأن حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي تجاوز ما كان قبل 2011، وأن السياحة في طريقها للتعافي، وأن البنية الأساسية تكتمل لاستقبال الاستثمارات في المشروعات العملاقة وفي مقدمتها محور قناة السويس وأن استكشافات الغاز توفر الاكتفاء الذاتي في العام المقبل مع استمرار نمو الإنتاج بعد ذلك بما يزيد قدرات التصدير.

يتم ذلك ومصر تقاتل الإرهاب الذي يحاول استنزاف قدراتها، ويتم ذلك ومصر مضطرة لتعظيم قدراتها الدفاعية، ويتم ذلك ومصر تسابق الزمن لإصلاح منظومتي التعليم والصحة لاستثمار أغلى ما تملكه وهو العنصر البشري.

وقد استقبلت مصر قرار الكونغرس الأميركي بخبرة أكثر من ستين عاماً في التعامل مع ملف المعونة وعلاقته بالسياسة الأميركية، منذ سحب عرض تمويل السد العالي وما تبعه من تطورات كان لابد أن تؤكد لصانع القرار في أميركا خطأ استخدام هذا السلاح في محاولة لتطويع الإرادة المصرية!!

قدر مصر أن تقاتل الإرهاب وأن تبني المستقبل وأن تكون «الجائزة الكبرى» التي توهم أعداؤنا أنها ستكون لهم، ورفض شعبها وجيشها إلا أن تكون للمصريين وللعرب.. لهذا تستمر المعركة وتبقى التحديات.

 

 

Email