قطر والإصرار على مغادرة البيت الخليجي

اللعب بالنار (002)

ت + ت - الحجم الطبيعي

الأزمة القطرية الحالية هي الأسوأ والأخطر في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، فبعد مرور ما يزيد على ثلاثة شهور منذ اندلاعها هناك مؤشرات قوية على تعمقها وليس انفراجها، مما يؤكد أن الوساطة الكويتية والوساطات الأخرى المتفرعة عنها لم تفلح في تحقيق الحد الأدنى، وهو حصر الأزمة في الأبعاد التي اندلعت فيها وتلافي التصعيد الذي يعرقل دور الوساطات.

مؤشرات عدة حول تعمق الأزمة القطرية وهو السعي القطري لتدويل فريضة الحج في سابقة خطيرة وصفتها السعودية على لسان وزير خارجيتها بأنها بمثابة إعلان حرب، والمؤشر الثاني هو عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران مع تصريحات من الطرفين، القطري والإيراني، على مستوى وزيري خارجيتيهما عن رغبتهما بتوسيع هذه العلاقات على جميع المستويات، واستمرار الإعلام القطري في نهجه العدائي والتحريضي على الدول التي فرضت المقاطعة.

فما الذي تهدف إليه قطر أولاً؟ وبمن تستقوي وعلى من تعول وهي .لا تتحدى أشقاءها الخليجيين فحسب بل مجمل الأسرة الدولية؟

تأسس مجلس التعاون الخليجي في ضوء العلاقات الخاصة التي تربط دوله ذات الأنظمة السياسية المتشابهة والمتقاربة جغرافياً، إلا أن لكل من دوله خصوصية تتعلق بسياساتها الخارجية التي قد تختلف، لا أن تتعارض مع سياسات الدول الأخرى في المجلس.

إلا أن قطر تنتهج منذ فتره طويلة سياسات خارجية ذات أولويات مختلفة عن جيرانها وربما معارضة بل مسيئة لها في قضايا عدة، إلا أن ما فجر الأزمة قضيتان رئيسيتان، أولهما دعم قطر للجماعات الإسلامية فهي لا تخفي حقيقة أنها قدمت المساعدة للبعض منها خاصة جماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابياً، على الرغم من إنكارها تقديم العون للجماعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة كجبهة النصرة أو تنظيم داعش. أما ثانيهما فهي العلاقات الوثيقة التي تربطها مع إيران بما يتعارض مع ما توصلت إليه قمم الرياض الثلاث.

من الواضح أن قطر غير راغبة في البقاء ضمن الإطار السياسي لمجلس التعاون الخليجي، فطموحات قياداتها وأحلامهم لم تعد تنسجم مع متطلبات بقائها فيه، فهي تتجاوز خطط التنمية والتطوير المحلية والخليجية إلى ما هو سياسي في المنطقة وفي جوارها. هذه القيادات ترى أن حجم قطر كإمارة صغيرة جغرافياً وسكانياً لا يتعارض مع سعيها لتصبح قوة إقليمية يحسب حسابها، لذلك لجأت لعقد تحالفات مكشوفة وأخرى خفية مع الجماعات الإرهابية، وإلى توسيع استثماراتها في الدول الغربية بشكل يقربها من هذه الدول معولة على مدخولاتها الهائلة من عائدات النفط والغاز من جهة أخرى.

هذه السياسات لا يمكن فصلها عن سياسة التسلح المثيرة للريبة وللدهشة معاً التي انتهجتها قطر في السنوات الأخيرة، حيث زاد الإنفاق بشكل كبير في الفترة بين عامي 2007 و2016 لتصبح قطر ضمن قائمة الدول العشر الأكثر استيراداً للسلاح في العالم وفق التقرير الصادر عن وزارة العدل الأميركية، وبحسب موقع بيزنس إنسايدر الأميركي زاد الإنفاق القطري بنسبة 282%.

في ضوء ذلك من المستبعد أن تتراجع قطر عن مواقفها وتذعن لمطالب الدول الأربع المكافحة للإرهاب، فهي تراهن على الوقت وعلى زيادة عدد الوساطات وتحولها تدريجياً إلى ضغوط على هذه الدول، وتراهن كذلك على الموقف الغربي، الأميركي بشكل خاص، وتدعي قطر أن الولايات المتحدة تراقب بدقة مسارات التحويلات المالية القطرية وأوجه صرفها، كما تدعي قطر أنها لا تقوم بتزويد المنظمات المصنفة إرهابياً بالدعم المالي، إلا أن الواقع يقول إن قطر من المستبعد أن تقطع علاقاتها مع التنظيمات المصنفة دولياً وإقليمياً «إرهابية»، خاصة بعد تقوية علاقاتها مع كل من تركيا وإيران.

الأزمة القطرية أربكت المتابع للمشهد الخليجي وللصورة النمطية التي ترسبت في الأذهان عن وحدته ومناعته ونجاحه كأول تجمع عربي، بعد أن فشلت في الماضي أكثر من محاولة، الوحدة بين مصر وسوريا، التحالف العربي بين مصر والعراق والأردن واليمن.

إذ بغض النظر عن الكيفية التي ستؤول إليها هذه الأزمة على الرغم من أنها ومن غير شك لم تضع شكوكاً حول مستقبل المشاريع الهادفة نحو إعادة هيكلة البنى السياسية والاقتصادية في دول المجلس نحو المزيد من التقارب والتكامل، لكنها جعلت مستقبل المجلس بتشكيلته الحالية موضع تساؤل وشكوك.

ومهما حاولت قطر التقرب من الدول الكبرى لتأمين وضعها عن طريق ضخ المبالغ الطائلة في اقتصاداتها لكسبها وللتخفيف من الضغوط عليها في المرحلة الحالية، إلا أن قدرها على الأمد البعيد أن تكون في وفاق مع أشقائها في مجلس التعاون، فالسياسات الطارئة لا تستطيع أن تتغلب على حكم الواقع الجغرافي.

* كاتب عراقي

Email