أهداف السياسة الإسرائيلية في أفريقيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعود السياسة الأفريقية الإسرائيلية إلى النصف الثاني من الخمسينات، عندما تبلور ما عرف «بالاتجاه الأفريقي» لإسرائيل، برعاية «موشى شاريت» وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك.

والذي نادى بضرورة ملء الفراغ في أفريقيا قبل أن يشغله خصوم إسرائيل من الدول العربية والإسلامية، وقد أعقب تبلور هذا الاتجاه، انعقاد مؤتمر «باندونج» والدور الريادي الذي لعبته مصر بقيادة عبد الناصر مع الهند وإندونيسيا.

وفي السياق ذاته أكد بن جوريون مؤسس الدولة الإسرائيلية أن أفريقيا تمثل الأولوية في علاقات إسرائيل الدولية، خاصة بعد استيلاء القوات الإسرائيلية على أم الرشراش المصرية على البحر الأحمر وإطلاق اسم إيلات عليها، والتي أصبحت منفذ إسرائيل على البحر الأحمر.

وقد استهدفت سياسة إسرائيل الأفريقية تحقيق العديد من الأهداف، في مقدمتها تحطيم أسوار العزلة واختراق الطوق الذي فرضته الدول العربية على إسرائيل، بعد قيامها، اقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً، وخلق عمق أفريقي لإسرائيل يناقض السياسات العربية.

ويقلص النفوذ العربي في أفريقيا، يلي ذلك توسيع دائرة الاعتراف بإسرائيل وعدم الاقتصار على دعم وتأييد الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية، وضرورة تنويع العلاقات الإسرائيلية في المجال الدولي، يعقب ذلك ضرورة أن تتبوأ إسرائيل مكانة دولية مرموقة تدعم مشروعية وجودها وتحمي مصالحها وأمنها القومي.

وتعزز العلاقات بالدوائر المرتبطة به، خاصة الدائرة الأفريقية، ويزيد من أهمية هذه الدائرة وجود منابع نهر النيل فيها من خلال دول الحوض الذي يمثل شريان الحياة الرئيسي في مصر.

وكما أن الطبيعة لا تحب الفراغ، فكذلك السياسة، فما أن ينشأ فراغ في إقليم، نتيجة انسحاب الطرف المنافس أو عكوفه عن الحضور، أياً كانت الأسباب، فسرعان ما يتقدم الطرف الآخر المنافس لملء هذا الفراغ، خاصة وأنه يمتلك الأدوات والإمكانيات والوسائل اللازمة.

لذلك، وذلك في تقديري يمكن أن يكون أقل تقدير وتشخيص لحرص إسرائيل على التواجد والحضور في الدائرة الأفريقية، وبالذات دائرة حوض النيل، حتى نتجنب استخدام مفهوم التآمر والمؤامرة، رغم أننا لا نستبعده بالضرورة في حالة الوجود الإسرائيلي في أفريقيا.

فمع انسحاب مصر من أفريقيا وعدم الرغبة في استثمار ميراث حقبة الخمسينات، وكذلك العديد من الدول العربية، تقدمت إسرائيل لشغل هذه المكانة لملء هذا الفراغ من خلال تشخيص احتياجات القارة السمراء، للأمن والتسليح والتدريب والتكنولوجيا في مجال الطاقة المتجددة والري والمشروعات الإنمائية.

وامتلاك إسرائيل الخبرات الملائمة للجانب الأفريقي في هذا المجال، مقابل توسيع السوق أمام المنتجات الإسرائيلية والصادرات للمنتجات الإسرائيلية وفتح أسواق جديدة وتأمين حضور استخباراتي، في العديد من الدول الأفريقية ذات الصلة، بمنابع النيل، وكسب مواقع جديدة للدبلوماسية الإسرائيلية، تدفع العالم العربي لليأس من محاصرة إسرائيل وفشل هذه السياسات في تحقيق أهدافها.

في تقرير صدر عام 2009 في أكتوبر من ذات العام في جنوب أفريقيا، وجِّهت لإسرائيل تهم التلاعب بمقدرات مصر المائية من مياه النيل وشدد هذا التقرير على دور إسرائيل في دعم حركات التمرد في السودان ومحاصرته وعزله دبلوماسياً وتمويل الحركات المتمردة ودعم انفصال الجنوب.

كما أشار التقرير إلى الدور الاستخباراتي الذي يلعبه «الموساد» جهاز المخابرات الإسرائيلي، من خلال مكتبه في نيروبي وتسليح عدة نظم أفريقية، وتعميق أزمات بعض الدول في الصومال وجنوب أفريقيا والسودان وغيرها.

وتعتبر الثروات المعدنية الطبيعية في أفريقيا هدفاً مهماً للسياسة الإسرائيلية في أفريقيا، فالقارة السمراء غنية بالماس واليورانيوم والمواد المشعة والكوبالت وغيرها من المعادن كالذهب، والتي تحاول الشركات الإسرائيلية الاستحواذ على النصيب الأكبر في استخراج هذه المعادن ومنافسة الأطراف الأخرى التي تنشط في هذا المجال.

تخصص إسرائيل جزءاً من ميزانيتها لتمويل أنشطة الوكالة الإسرائيلية للتنمية الدولية في أفريقيا، لتدريب بعض أبناء الدول الأفريقية ورصد منح تعليمية لهم في الجامعات الإسرائيلية، وصقل مهارات بعض العسكريين الأفارقة من خلال التدريب ودعم القدرات، ويشير بعض المراقبين إلى أن الحضور الإسرائيلي في أفريقيا تفوق على الحضور الفرنسي رغم علاقات فرنسا بالقارة.

واستمراراً لهذه الجهود جاءت زيارة ليبرمان عام 2009 لكل من إثيوبيا ونيجيريا وغانا وأوغندا وكينيا، وزيارة بنيامين نتنياهو لأربع من دول حوض النيل بدأها بأوغندا ثم كينيا وإثيوبيا وتنتهى في رواندا.

وذلك في عام 2016 وهي الزيارة التي وصفها نتنياهو بأنها «عودة إسرائيل إلى أفريقيا وعودة أفريقيا إلى إسرائيل» وهذه الزيارة لدول الحوض ليست مصادفة ولكنها على الأقل تحمل معنى رمزياً وتضامناً معنوياً مع إثيوبيا في موقفها إزاء مشروع سد النهضة في ظل التوتر مع مصر آنذاك.

وتستند هذه الزيارة إلى الخطوط الرئيسية التي ارتكزت عليها السياسة الإسرائيلية إزاء إثيوبيا لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين في مقدمتها الزعم بوجود علاقات تاريخية بين إسرائيل وإثيوبيا ترجع لعشرات القرون الماضية، يلي ذلك طبيعة العلاقة الدينية بين البلدين فإثيوبيا من وجهة النظر الإسرائيلية جزيرة مسيحية في وسط إسلامي تعارضه إسرائيل والتهديد مشترك للبلدين من هذا الخطر.

 

Email