زيارة مدفوعة الثمن

ت + ت - الحجم الطبيعي

«نريدكم معنا، والمقابل يتراوح بين 50 و100 ألف دولار». هكذا خاطب أحد مسؤولي وفد ميليشيات «البنيان المرصوص» إلى الدوحة زميلاً له بهدف استدراجه للمشاركة في ما سماه الليبيون «زيارة العار».

قال لي أحدهم: «هذا يعني أن المبلغ يتراوح بين 400 و800 ألف دينار ليبي في أسواق الصرف الموازية بعد انهيار العملة الليبية بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث للبلاد»، مردفاً: «هل تعلم أن المواطن الليبي البسيط يقضي أحياناً أسبوعاً أمام المصرف للحصول على 500 دينار من رصيده؟ وهو الحد الأقصى الذي يمكن أن يحلم به، وكل ذلك من بركات الربيع العربي والدور القطري في تخريب بلد وتدمير دولة وتجويع شعب وتبديد ثروته ؟»

وأضاف: «ونحن على أبواب عيد الأضحى، والعودة الدراسية، ماذا يفعل المواطن الليبي بهذا المبلغ، علماً بأن ثمن كيس الفحم وحده يصل إلى 300 دينار؟»

إن الشعب الليبي في غالبيته الساحقة، لا ينسى دور النظام القطري في ما وصلت إليه بلاده منذ 2011، وهو يسجل في كل يوم صفحات جديدة من الغضب والسخط ضد تنظيم الحمدين، ولم يعد خافياً أن الذاكرة الشعبية تدوّن الأحداث شعراً ونثراً، حتى باتت الأعراس في أغلب مناطق البلاد تقام على أصوات الشعراء والفنانين وهم يتغنون بالدعوة إلى الثأر من الدوحة وتابعيها وحلفائها.

ولذلك، جاءت زيارة وفد ميليشيات «البنيان المرصوص» إلى قطر، وما شهدته من التحية العسكرية التي أطلقها رئيسه بشير القاضي لتميم بن حمد، ومن تقديم درع «الشكر والعرفان» وعبارات الولاء والتأييد لرأس نظام الدوحة، لتصب المزيد من الزيت على نار الغضب الشعبي في ليبيا من تنظيم الحمدين ومن كل من ينتمي إليه أو يتكئ عليه، حتى إن أحد أنصار النظام السابق أطلق قصيدة شعبية يقول مطلعها «أزلام ليبيا مانا (لسنا) أزلام الدوحة، واللي خان الوطن يعرف روحه».

فالليبيون يحملون قطر ما باتت عليه بلادهم من خراب شمل كل الجهات والفئات والمجالات، ويرون أن دعم الدوحة للإرهاب بجميع أشكاله هو الذي سفك دماء ودمّر العمران وبدّد الثروة ونشر الفقر والمرض والفساد وتسبب في انهيار منظومة الخدمات إلى درجة انقطاع الماء والكهرباء عن العاصمة لأيام طويلة.

ولم يتوقف الإجرام القطري عند هذا الحد، وإنما اتسع ليشمل التآمر ضد الجيش الوطني ومؤسسات الدولة ومشروع العفو العام والمصالحة الشاملة، فنظام الدوحة ضد قيام دولة لا يحكمها إخوانه المتأسلمون، وضد مصالحة وطنية قد تدفع إلى الأمام بشخصيات لا تنسجم مع مشروع الحمدين، وضد الجيش والأمن طالما أن عقيدتهما هي الحرب ضد الإرهاب واستعادة استقلالية القرار الوطني الذي تعمل الدوحة على السيطرة عليه والانطلاق منه لبسط نفوذها على الدول المجاورة.

وبينما تم تحرير المنطقتين الشرقية والجنوبية وأغلب المنطقة الغربية من ميليشيات قطر، التجأت قطر إلى ميليشيات «البنيان المرصوص» في مصراتة للقيام بمسرحية سرعان ما كشفها الليبيون، وأدركوا ما وراءها، فهي أولاً مدفوعة الثمن، وثانياً مرفوضة حتى من الميليشيات ذاتها، وثالثاً ادعت ما ينفيه الواقع، فلا الدوحة تحارب الإرهاب، ولا أتباعها يريدون مصلحة ليبيا.

 

Email