جائزة واشنطن الكبرى لطهران

ت + ت - الحجم الطبيعي

عودة أخرى وأخيرة إلى موضوع العراق في المرحلة المهمة المقبلة، مرحلة ما بعد تحرير البلاد من تنظيم «داعش» الإرهابي، لنجد أن ما يثير الدهشة والعجب أن تدخل الولايات المتحدة في عملية غزو العراق وتتورط في حرب صعبة تفقد خلالها أكثر من 4500 جندي أميركي، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين، وتنفق فيها أكثر من تريليون دولار أرهقت الخزانة والاقتصاد الأميركيين لتتيح لملالي إيران أعدائها اللدودين هذه الجائزة الضخمة على طبق من ذهب.

ولو صح أن الإيرانيين حققوا هذه المكاسب الضخمة دون أن يكون ذلك في حساب الأميركيين ووعيهم لكان ذلك أكبر خيبة ومصيبة، لأنه بعد 14 عاماً من الغزو الأميركي يكاد العراق يكون دومينا تابعاً لإيران تملأ المنتجات الإيرانية أسواق مدنه وقراه حتى الأسمنت والطوب يتم استيراده من طهران، وكما كتبت صحيفة نيويورك تايمز: حتى الشباب العراقي إذا شعر بالسأم فيمكنه أن يتناول الحبوب المخدرة القادمة من إيران.

ولا يقل تأثير إيران على الوضع الاقتصادي في العراق عن تأثيرها في الحياة السياسية، حيث يشكل التحالف الشيعي الكتلة الأكبر في كل الانتخابات البرلمانية فضلاً عن روابط إيران بالحكومة العراقية والحركات والأحزاب السياسية ومراكز صنع القرار.

وحرص طهران الدائم على استمرار خلخلة الأوضاع السياسية في العراق بما يجعل الحكومات العراقية في حالة احتياج مستمر لدعم إيران ومساندتها، وتحت شعار وحدة المذهب الشيعي وضرورة الالتزام بولاية الفقيه تسعى إيران بصورة مستمرة إلى إضعاف المرجعية الشيعية العليا في النجف وزيادة تأثيرها في رجال الدين في الحوزات العلمية الدينية.

وثمة ما يشير إلى أن تأثيرات إيران ودورها في الحوزة الدينية العراقية ربما تكون أقوى إن تولى آية الله محمود هاشمي شاهر خلافة المرجع الديني علي السيستاني في العراق، خاصة أن السيستاني أكثر التزاماً بمصالح العراق الوطنية.

صحيح أن تجربة رئيس الوزراء الراهن حيدر العبادي كانت أخف وطأة من تجربة نوري المالكي رئيس الوزراء السابق الذي كان أكثر جنوحاً للطائفية، وفي ظل حكمه نمت وقويت ميليشيات الشيعة، ولأن الاثنين منتميان إلى حزب الدعوة الإسلامية يظل الفارق بين الاثنين في نطاق الكم لا الكيف في حين يحتاج العراق الآن إلى نوع من التغيير الكيفي يقلص سلطة إيران وهيمنتها ويعيد إلى المواطنة اعتبارها ويقلل من غلواء الطائفية حرصاً على ما يمكن أن يتبقى من وحدة العراق، خاصة أن نسبة غير قليلة من العراقيين

بودهم ألّا يكون العراق مجرد تابع لإيران، ويعتقدون بصدق انتماء العراق العربي ويحسون أن هذا الانتماء هو جزء من هوية العراق، بفقدانه يفقد العراق بوصلة توجهه الصحيح، وبرغم وجود دعوات قوية للتخفيف من غلواء الطائفية يشارك فيها الزعيم مقتضى الصدر ويقود أهمها عمار الحكيم.

وهو واحد من أبرز زعماء الشيعة، بهدف تخفيف حدة الانقسام الطائفي في الانتخابات القادمة، إلا أن الحكيم الذي استقال من المجلس الأعلى الإسلامي وأنشأ حزباً معتدلاً يحمل اسم «الحكمة» يتعرض لحملات غلاة الشيعة تساندهم إيران بهدف إضعاف فرص الحكيم.

فضلاً عن أن المشكلة أعمق كثيراً من أن يتم علاجها من الظاهر، خاصة أن أبرز المرشحين لمنصب رئيس الوزراء القادم هو نوري المالكي، وما لم تتقدم حقوق المواطنة على حقوق الطائفية وتعد كتابة بعض نصوص الدستور ويصبح كل المواطنين متساوين أمام الدستور ويمتنع على الأحزاب الطائفية تشكيل ميليشيات مسلحة وتخفف طهران من هيمنتها، فسوف تظل الطائفية خطراً محدقاً يهدد وحدة الدولة والشعب العراقي.

 

 

Email