قوانين «بريكسيت» هل تلاحق قطر؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المعروف سلفاً أن الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت) ستكون له تبعات عديدة على مستويات مختلفة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومالي ومنها ما هو ثقافي ومجتمعي، وكذلك ستكون له تداعيات مؤكدة على الصعيد الأمني، ولا شك في أن دولة بحجم بريطانيا تدرك ذلك جيداً وهي من هي في مجال العمل الاستخباراتي وتعد له العدة والقرارات والإجراءات المناسبة، ومن بين هذه الإجراءات خطط مواجهة الإرهاب وتمويله في المراحل المقبلة، وربما من المفيد إلقاء الضوء بشيء من التفصيل على ما تعتزم لندن اتخاذه في هذا المجال تزامنا مع «البريكسيت» لما ستترتب عليه من تداعيات وتساؤلات مهمة، وتزامنا مع أزمة قطر المتهمة بتمويل ودعم الإرهاب.

فقد أعلنت الحكومة البريطانية بالفعل في الأيام الماضية خططاً تتيح للندن بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي مواصلة لعب دور محوري في فرض وتنفيذ العقوبات الدولية لمكافحة الإرهاب والعنف وانتشار الأسلحة النووية، ومن بين المقترحات الجديدة صلاحيات لتجفيف موارد تمويل الإرهابيين عن طرق تسهيل تجميد الأرصدة ومنع الحسابات المصرفية عنهم.

تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا تطبق حاليا ما يربو على ثلاثين شكلاً من العقوبات، بما فيها عقوبات ضد روسيا وكوريا الشمالية وإيران وداعش والقاعدة، وقد أجرت الحكومة البريطانية استشارات عامة على مدى تسعة أسابيع بشأن هذه الصلاحيات الجديدة، وانتهت تلك الاستشارات إلى جملة من التوصيات المهمة دعماً للخطط المزمع اقرارها.

وفي حين أنه في الوقت الحالي تعمد المملكة المتحدة إلى التفاوض بشأن عقوبات خارج نطاق الأمم المتحدة وفرضها ضد دول محددة من خلال قوانين الاتحاد الأوروبي، فإن القانون الجديد سوف يستعيد الصلاحيات من بروكسل بحيث يتبنى ويقرر التدابير التي تستند إليها لندن حاليا بموجب قانون الاتحاد الأوروبي.

كما أن الخطط المزمعة للحكومة البريطانية ستجعل من الأسهل تجميد حسابات مصرفية يشتبه بأنها تعود لإرهابيين، ومنعهم من تحقيق عوائد مالية من ممتلكاتهم، كبيع مقتنيات شخصية ثمينة كالسيارات والمنازل على سبيل المثال، مع الأخذ في الاعتبار أنه في الوقت الحالي يتطلب تجميد أرصدة شخص ما من الحكومة أن يكون لديها اعتقاد بدرجة معقولة بأن ذلك الشخص قد ارتكب عملاً إرهابياً أو أنه متورط بالإرهاب وأن تجميد أرصدته ضروري لحماية المواطنين.

أما المقترحات الجديدة فستجعل من الأسهل وقف من يشتبه بأنهم إرهابيون عند حدهم، حيث كل ما ستحتاجه الحكومة هو أن تتوفر لديها أسباب معقولة للاشتباه بأن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا عملاً إرهابياً أو أنهم كانوا متورطين بالإرهاب، وأن العقوبات إجراء مناسب ضدهم، وذلك مهم بالنظر إلى طبيعة الإرهاب المتغيرة باستمرار، حيث يتسبب الإرهابيون الآن بأضرار هائلة بالاستعانة بمبالغ وموارد صغيرة جداً.

ويعتبر وزير الشؤون الاقتصادية في وزارة الخزانة «ستيفن باركلي» هذه الصلاحيات الجديدة مساعدة في حماية المواطنين البريطانيين من الاعتداءات الإرهابية عن طريق منع وصول الأموال لأيدي من يضمرون الأذى للدولة البريطانية، ومن شأن المقترحات الجديدة الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب أن تجعل من الأسهل على الحكومة وسلطات تنفيذ القانون فرض عقوبات على من يشكلون تهديدا لأمن بريطانيا القومي أو الأمن الدولي.

هذه الصلاحيات تتيح لبريطانيا قيادة الجهود الدولية لمكافحة داعش، وتشكل جزءا من مراجعة الاستراتيجية البريطانية لمكافحة الإرهاب التي أعلنتها رئيسة الوزراء في شهر يونيو الماضي.

كل ما سبق هو الأساس النظري الذي يحدد الاستراتيجية الجديدة لبريطانيا لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه وضرب مصادر تمويله فضلا عن تحديد كيفية التعامل مع عناصر التنظيمات والجماعات الإرهابية في مرحلة ما بعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، ونحن بدورنا نتساءل هل ستجد هذه القرارات والإجراءات طريقها للتنفيذ الفعلي على أرض الواقع بشكل نزيه أم أنها ستظل خاضعة لاعتبارات التسييس والانتقائية على غرار ما يحدث حاليا وما حدث في الماضي القريب جداً؟، وسؤالنا هنا يتعلق بدولة قطر المتورطة في دعم الإرهاب، كيف سيكون موقف بريطانيا منها.

هذا التساؤل ربما له أهميته القصوى كون بريطانيا بلداً مضيافاً لعديد من العناصر المتطرفة والمتشددة وبعضها يصنف في بلاده إرهابياً كالمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال لا الحصر، وليس خافيا أن بريطانيا استضافت في سنوات سابقة عناصر جهادية متطرفة صنعت إرهابا على أراضيها برغم تحذيرات عديدة لها انطلقت من داخل دول شرق أوسطية، واليوم ومع تأكد تورط دولة مثل قطر في أعمال الإرهاب باحتضانه وتمويله والتحريض على العنف والكراهية، وتقاعس أطراف أوروبية عديدة، على رأسها بريطانيا، عن اتخاذ إجراءات جادة للتصدي لهذا السلوك المنفلت، تبقى الشكوك قائمة في أن بريطانيا ستنفذ بنزاهة ما تلزم به نفسها من إجراءات لمكافحة الإرهاب.

Email