مأزق ماكرون

ت + ت - الحجم الطبيعي

واجه إيمانويل ماكرون أول عثرة في الصعود الأسطوري لسدة الرئاسة الفرنسية، بعد أن استقل سيارة إلى جانب الجنرال بيير دو فيليه رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية في استعراض يوم الباستيل، وأقدم الأخير على الاستقالة قائلاً بعبارات قاسية: «هذا النموذج للقوات المسلحة بميزانيته المخفضة، كما هو متوخى، لن يضمن حماية فرنسا».

في اليوم التالي، خرج من وزارة الدفاع وسط وداع حافل من حرس الشرف، وظهر هذا التسلسل للأحداث في تغريدة له على تويتر مختصراً بكلمة واحدة: «شكراً».

وبعد فوات الأوان، ربما يتقبل ماكرون أنه كان بإمكانه التصرف بصورة مختلفة، وبعد تلقيه هذا الكم من الانتقادات السرية اللاذعة، الناجمة عن خفض ميزانية وزارة الدفاع، وبخ دي فيليه بشدة، وسط حفل عسكري صيفي، ويبدو أن هذا الخفض غير المتوقع للمشتريات العسكرية، قد أقنع جنرال الخمسة نجوم أن أيامه قد ولت إلى غير رجعة في وزارة الدفاع.

لو قلنا إن هذه القطاعات من الجيش الفرنسي لديها مجرد تحفظات على ماكرون فسوف يكون ذلك أمراً هيناً، فقد كان هناك رفض قاطع لهذه المسألة وأثيرت الشكوك حولها، وذلك ناجم جزئياً عن الملاحظات البسيطة التي أدلى بها ماكرون عن الدور الفرنسي في الجزائر أيام استعمارها، والذي أدانه خلال الحملة الانتخابية ووصفه بأنه «جريمة بحق الإنسانية».

في أوج هذه الأزمة مع جنرالاته، حذر ماكرون بصورة قاطعة قائلاً: «أنا الرئيس هنا»، وقال في مقابلة صحافية: «إذا لم يكن هناك اتفاق، فإن السبب يعود إلى رئيس الأركان الذي غيّر موقفه».

هل يبدو هذا الأمر غير مألوف، في نبرته إن لم يكن في مادته الدقيقة؟ أتذكرون ملاحظات رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون إلى قادة جيشه الذين أبدوا عدم رضاهم عن العمليات العسكرية التي جرت في ليبيا عام 2011: «وظيفتكم خوض القتال، ووظيفتي إجراء المحادثات».

الغريب أن هذا المسؤول الذي كان يستطيع التماهي مع معظم الناس، كانت علاقاته متوترة مع كبار ضباطه.

لو كان الأمر كذلك، فسيعتبر حكماً مجحفاً، فكاميرون مثل معظم أقرانه، لم يكن لديه تاريخ في التدخل في شؤون الجيش، ولا تقاليد عائلية في هذا الخصوص، ولا خدمة في الجيش: وعلى أبعد تقدير، فقد خدم في الخارج في مشاريع للإغاثة لوهلة قصيرة. ولم يواجه قط انضباط الخدمة العسكرية أو المتطلبات العاجلة للحرب. ولم يتقاطع دربه مع درب الجيش، وكان يرى أن الجيش موجود لتنفيذ واجباته الملقاة على عاتقه.

يبدو التنافر الثقافي والفجوة المشابهة بين الأجيال واضحين في الولايات المتحدة، مع إضافة عامل فيتنام المعقد. فالرئيسان السابقان بيل كلينتون وجورج بوش واجها المتاعب خلال الحملة الانتخابية وخلال فتراتهما الرئاسية، وذلك بسبب تهربهما المزعوم من الخدمة العسكرية. ولطالما نظرت المؤسسة العسكرية الأميركية إلى كلينتون بارتياب.

أما باراك أوباما، فقد جند هو الآخر للخدمة العسكرية الإلزامية في فيتنام، وكان صغيراً جداً أيام الحرب العالمية. وواجه مشكلات في الجيش. ويجادل البعض أن زلته الرئيسية أثناء فترته الرئاسية تتمثل في تردده في استخدام القوات الأميركية، وسوريا أكبر دليل على ذلك.

وعودة إلى الرئيس الفرنسي، ففي أيام حكمه الأولى، كان من المبكر جداً الحكم على تأثيره على كبار قادته العسكريين، والذي ينبغي أن يكون واضحاً مع ذلك هو أنه حتى في بريطانيا وفرنسا، فرغم تباين تقاليدهما العسكرية، فإن عالم الجيش وعالم المدنيين يعيشان في عزلة عن بعضهما بعضاً، والكلمات الطيبة بشأن استعادة المجد العسكري لن تكون كافية لجمعهما معاً. وهل يتمثل أحد العلاجات بإيجاد خدمة إلزامية عسكرية/ مدنية؟ أم أن هذا الانقسام الواسع هو مجرد علامة أخرى على أن نظام القرن العشرين قد ولى إلى غير رجعة، وأن القرن الجاري سيجد حلوله الخاصة به؟

Email