عقدة المؤامرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاهدت مؤخراً فيديو لأحد رجال الدين يتكلم فيه عن مؤامرة حبكها شياطين الغرب أو الصهاينة تُفيد بأن الهمبرجر ما هو إلا وسيلة استغلها المتآمرون على الأمة الإسلامية والعربية لكي ينجبوا إناثاً بدلاً من الذكور، وقد أوعز المتحدث بأن هذا هو السبب الحقيقي لزيادة عدد النساء مقارنة بالرجال في مجتمعاتنا العربية.

هذا المتحدث لا يختلف كثيراً عن أولئك الذين حدثونا قبل سنوات ومنعونا من ارتداء حزام البنطلون الذي يحتوي على مغناطيس بالخلف لأنه يؤثر على معدل الخصوبة لدى الرجل، وقد يسبب له العقم، وأيضاً كشفوا لنا بأن بعض الفيتامينات التي توزع من قبل وزارات الصحة في المدارس أو المراكز الصحية في مختلف البلدان العربية بأنها تحتوي على مواد تسبب العقم، وبأنها صناعة غربية أو صهيونية لتنفيذ مؤامرة لتخفيف عدد المواليد في بلداننا العربية لخوف الغرب من الازدياد الهائل في الموارد البشرية لدى العرب.

الكثير الكثير من القصص والتحليلات التي نتداولها في حياتنا، ونسمعها عن تلك المؤامرة التي تُحبك للإضرار بمصالح العرب والمسلمين، وتعمل على منعهم من التوسع والانتشار، بل عملت تلك المؤامرة كما يصفون إلى إضعاف النتاج الفكري للشعوب العربية، بل كانت قاصدةً متقصدة أن تُبيد ملامح التطور والرقي إن وجدت لدى شعوبنا، وكل هذا بسبب الخوف العظيم من أن ترجع الأمة العربية إلى سابق عهدها من المجد والقوة والسلطان.

الأمر لم يقف عند هذا الحد إنما أخذ أشكالاً متعددة في التوسع الفكري لنظرية المؤامرة حيث تظهر التحليلات عند وقوع أي مشكلة بأنها صناعة غربية، إلى أن وصل بنا الحال إلى تفسير السبب في شلالات الدماء التي تراق في وطننا العربي وكمية الخلاف والاختلاف في الفكر والمنهج والسلوك والعقيدة على أنها مؤامرة لتفريق صفوف العرب والمسلمين، بل هي الحرب الخفية على دين الإسلام، وحتى وإن كانت كذلك، وبما أننا نعلم أنها مؤامرة فلماذا ننفذ أجنداتها إذاً، فبإمكاننا التوقف عن القتال حال الاختلاف ونُفشل أي مخطط يهدد أمننا واستقرارنا وتفشل بذلك تلك المؤامرة؟.

المصيبة أننا بتنا نشاهد كل شيء بنظرية المتآمر عليه، فحتى مباريات كرة القدم وانقسام شعوب العالم بين مشجع لبرشلونة وريال مدريد على أنها حيلة لتفتيت الناس وخلق النزاع والكراهية بداخلهم، بل قال الكثيرون إن أساس لعبة كرة القدم قد وجد في البروتوكولات الصهيونية حينما قالوا «سنشغل العالم بكرة القدم»، وحتى التطور التكنولوجي الذي نشهد حالياً كثيراً ما نقول أنه صُنع للتآمر على العرب، كما هو الحال عندما نحلل المشاكل المجتمعية الناتجة عن وسائل التواصل الاجتماعي فنقول بأنها مخطط غربي، في حين أن التكنولوجيا بمختلف أشكالها وجدت لتريح الناس لكن استخدامنا الخاطئ لها هو من أوجد المشكلة وليست المؤامرة.

المؤامرات التي تُحبك على أمتنا العربية لا تُعد ولا تُحصى فقد أصبحنا نحلل كل شيء وفقاً لنظرية المؤامرة إلى أن أصبحت نظرتنا ونظريتنا هذه شماعة نُعلق عليها كل شيء فاشل في حياتنا أو عجزنا عن التخطيط والتنظيم وإدارة أزماتنا والخروج من مشاكلنا، فكل شيء تبعاً لنظريتنا خارج عن السيطرة فهو مكتوب ومقرر في الكتب السرية والبروتوكولات الخفية، ونحن لا حول لنا ولا قوة إلا أن نقول سمعاً وطاعة.

لن أستغرب إن نظر أحد القراء إلى مقالي على أنه جزء من مؤامرة مجهولة سرية أتمتها إحدى المنظمات الخطيرة فقاموا بشراء قلمي مما دفعني لتضليل الناس عن الحقيقة، فالقناعة التي وصلنا إليها في فهمنا لحقيقة حياتنا أصبحت محاطة بشكل كامل بأيدٍ خفية تعبث بها خفية، والمصيبة أننا جميعاً نعلم أنها مؤامرة ومع ذلك لا نستطيع إيقافها، أو الخروج من دائرتها المظلمة.

المؤامرة الحقيقية التي تعبث بعقولنا هي قناعاتنا بأننا مستهدفون حتى في مكونات غذائنا، وحتى وإن كنا كذلك فما الحل غير الكلام الكاشف لخيوط المؤامرة، وأين هي الحلول للخروج من هذه الأزمة؟، والسؤال هنا ليس موجهاً للأفراد فقط وإن كانوا الفئة المستهدفة من كتاباتي، إنما السؤال موجه للحكومات العربية التي أيضاً أصابها عقدة المؤامرة فأصبحت تبرر فشلها في إدارة واحتواء أية أزمة على أنها مؤامرة خارجية، والسؤال الأعم والأشمل لماذا لا يتكلم عن هذه المؤامرات المتخصصون من العلماء في الطب أو الغذاء أو غيرهم وترك الأمر لرجال الدين من الدعاة والوعاظ أن يكتشفوا هذه المؤامرة ويعلنوا عنها؟.

نحن بحاجة إلى حبك مؤامرة على عقولنا تقضي بتطويرها وتطوير فكرها واتساع حدود إدراكها للخروج بتحليلات أكثر منطقية على أن تحتوي حلولاً للمشكلة وليس مكاشفة لمؤامرة وتعليق المشكلة الأساسية على شماعة المؤامرات التي لا تنتهي، ولن تنتهي ما دمنا ننظر إلى حياتنا من ثقب الإبرة التي تحبك خيوط المؤامرة الشريرة على أمتنا.

وفي النهاية علينا أن نعلم أن المؤامرة ليست قضاء وقدراً نستسلم لها دائماً، ولا هي وسيلة للارتياح من عناء البحث عن تحليلات تفسيرية أكثر اقناعاً، ولا هي مبرر لفهم ما أسباب الصراع الدامي الذي تعاني منه أمتنا، ولا هي السبب في قلة النتاج الفكري العربي، وبالطبع ليست هي المتسببة بالانحلال الأخلاقي لأمتنا الإسلامية، فكل هذا وأكثر هو نتاج لصنع أيدينا، وعلى أمتنا أن تغسل عقولها من هذه الأفكار قبل أن تغسل أيديها من الدماء المتراكمة عليها.

إن كنا نعتقد أن المؤامرة المحبكة قام بها الصهاينة والغرب فقط فعلينا أن نُعيد قراءة المشهد، فالأخ والجار أصبح هو من يحبك المؤامرات ويروج لها في وسائله الإعلامية، بل يقوم بدعمها تنفيذاً لمخططه الأسود بحق جيرانه وأبناء عمومته من أمتنا العربية، ولن أذكر أسمه فقد انكشف حاله وأصابع الاتهام طالته من كل صوب وحدب.

Email