قطر الفاسدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتداول سكان الكرة الأرضية، ومنذ الأزل، وفي كل اللغات، قولاً حول ثمرة التفاح السيئة التي ستفسد، إذا تركتها، صندوق التفاح كله، لكن العرب، لم يعجبهم في ترميز المقولة استخدام التفاح، لأنها فاكهة ثمينة، فآثروا استخدام الطماطم أو «البندورة»، وقالوا (إن حبة «الطماطم» الخربانة، سوف تُخرّب الصندوق كله).

هذه هي بالضبط، قطر، في الصندوق الخليجي، طماطم فاسدة سيئة، بقيت أكثر من عشرين عاماً تنشر الإرهاب وتكيد لجيرانها وتزرع الفتن، تثابر وتبحث وتستغل نقاط ضعف الشعوب، تقوم على تحريضهم وتجييش عواطفهم من خلال أخطبوطها الصغير الكريه، الذي يدعى «الجزيرة»، والذي زرعته ذات ليل.

وراحت تغذيه بالحاقدين المرتزقة المنبوذين الذين صفقوا لتنظيم الحمدين في رؤية هشة لدولة قطر وقناتها، بإطلاق وتنفيذ مشروع التفكيك «فرق تسد»، على أمل أن يحصل الولد الشقي العاق قطر، على انتباه العالم، لكن ثمن ذلك، كان واقعاً مريراً، كان الخراب والإرهاب والثورات المزيفة الملطخة بدماء الأبرياء.

لم تكن قطر، خلال العشرين عاماً الفائتة، بمنأى عن ملاحظة ساسة الخليج، لكن سياسة رجالاته الحكماء، كانت في التوجيه والتأديب ولفت النظر، والذي لم يؤتِ نفعاًَ مع ظنون تنظيم الحمدين بأن قطر محمية ومحصنة بأسوار من تعتقد بأنهم حلفاؤها، سواء أميركا وإسرائيل، أو إيران وتركيا، فراحت تنفخ في الوحش الإخواني الذي كاد أن يتلاشى خلال أربعين عاماً.

وتعيد تمكينه وتمويله ليتسلل إلى بعض الدول العربية، ويحظى بالشعبية بسبب ارتداء قناع الدين، وينقضّ على مصر وتونس وليبيا واليمن وفلسطين، ويتغلغل مع دعم أميركي صهيوني أحمق، يعتقد بأن ذلك يمثل شرعية وديمقراطية في عهد أوباما، ليصل إلى سدة الحكم.

ولكن السياسة الحكيمة في الإمارات والسعودية، كانت لتنظيم الإخوان بالمرصاد، فحاصرته وطاردته وقطعت الطريق على قطر، وأسست في عامي 2013 و2014، ميثاقاً ملزماً لقطر بأن تتوقف عن دعم الإرهاب، وعن التدخل في شؤون الآخرين، والتوقف عن بث الفتن وإيواء الإرهابيين، فوقّعت قطر، لكنها لم تلتزم، وخرقت الميثاق.

واستمرت في نشوزها وتعنتها، بل وركضت إلى الأحضان الفارسية الموسومة بالإرهاب عالمياً، وأعلنت في ذات الفترة التي أعلن فيها المجتمع الدولي في قمة الرياض، بأنه سيحارب الإرهاب ويجفف مصادر تمويله، وعلى لسان حاكمها، وفي وكالة أنبائها، وفي ما يسمى بتصريحات تميم: (إن قطر نجحت في بناء علاقات قوية مع إيران، نظراً لما تمثله إيران من ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله.

وليس من الحكمة التصعيد معها، خاصة أنها قوة كبرى، تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها)، بل ودعا تميم، في تصريحاته، كلاً من مصر والإمارات والبحرين، إلى وقف ما سماها الحملات والاتهامات المتكررة التي لا تخدم العلاقات والمصالح المشتركة.

قطع الطريق على قطر، وليس حصارها، جعلها تتخبط في سياسات عشوائية حمقاء مضحكة، تدلل على هشاشة الرؤية لدى ساستها، وبدل الرجوع عن التصريحات عن الصداقة مع إيران، رأى الجميع كيف ركعت قطر لنظام الملالي، واستنجدت بالإخوانيين الأتراك.

ومثلت دور الباحث عن حل ديبلوماسي عند الأميركان والفرنسيين والألمان وغيرهم، بينما ظلت على حالها في فبركة التهم والتقارير بحق الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، ومحاولات تشويه الصورة بشراء ذمم بعض الصحف والصحافيين، وتزوير التصريحات والمقالات، وكأن حبة الطماطم الفاسدة تلفظ آخر أنفاسها.

بالطبع، لم تفطن قطر، في ظل تخبطها، إلى أن سياسات الغرب، وخاصة أميركا، ليست عشوائية، فاعتقدت أن زيارات تيلرسون المكوكية لإيجاد حل ديبلوماسي سوف ينقذها، ونسيت تماماً أن السياسة الأميركية ليست لحظية، ولو كانت كذلك، فلن تقبل الدماء الجديدة الحكيمة الراسخة في الخليج، أي تدخل في قراراتها السيادية، ولن ترضى بهنري كيسنغر آخر، يعيد برمجة الأمة بـ «كبسة زر».

لم تتنبه قطر إلى أن زيارات وزير الخارجية الأميركية تيلرسون، لا تحمل أجندة واضحة لحل أزمة قطر، بل هي في عمقها، سعياً خلف المصالح الأميركية، وكذلك الأمر بالنسبة لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، وأي محاولات خارجية تدفع بها قطر، فتلقى الجواب الذي ركّز عليه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في كل تصريحاته، ويتلخص بكلمتين ثقيلتين: «حل الأزمة القطرية، ليس في نيويورك ولندن، بل في الرياض».

حتى اليوم، لم يقرر المزارع الصبور الحكيم، بإلقاء الطماطم الفاسدة في المهملات، ما زال يأمل معالجتها وإعادتها إلى الصندوق، فهل ستفهم قطر؟

 

 

Email