كابوس الإرهاب في أفريقيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحررت هذه البلدة من قبضة حركة الشباب الصومالية المتطرفة قبل خمسة أعوام، غير أن التحرر تعبير نسبي، فالفقاعة الأمنية التي ولدها حضور الأمم المتحدة والقوات الإثيوبية العسكرية لا يتعدى نطاقها العشرة أميال خارج حدود البلدة. وقد التقيت في إحدى العيادات بطابور من النساء الآتيات من منطقة واقعة تحت احتلال التنظيم الإرهابي، واضطررن إلى التسلل خارج البلدة لتلقي الرعاية الطبية .

وتدعي الحركة الإرهابية في أشرطة دعائية مصورة معقدة أنها تمتلك حكومة ناشطة موازية ومدارس ومنشآت طبية، لكني حين ذكرت الأمر أمام الصوماليين ضحكوا عالياً، باعتبار أن الحركة أبرع ما تكون في فرض الضرائب على الحكومة والشركات وتنفيذ الاغتيالات الموجهة، واستقدام خبراء متفجرات من القاعدة.

وقتل العام الماضي في هجوم مضاعف على بيدوا ما يزيد على 30 شخصاً، وقام في العام 2015 مقاتلون يرتدون الزي العسكري الصومالي بانتهاك المنطقة الخضراء في بيدوا وقتل العديد من الأشخاص.

وتلتقي بكثير من الأشخاص المسلحين في الشارع ويستدعي الانتقال خارج البلدة لفصيل صغير من الحراس. أما الطلقات النارية المتقطعة التي تسمع بين الحين والآخر تثير القلق، لكنها تشير إلى حدوث عرس أو احتفال ما.

وتستقطب البلدة باستقرارها النسبي النازحين الهاربين من شبه المجاعة التي أنتجتها ثلاث سنوات من ندرة الأمطار، وأضفت إلى تعقيداتها حدة الصراعات. وقد ترك ما يزيد على 700 ألف صومالي أكثر من نصفهم من الأطفال منازلهم، بسبب الجفاف. عادة ما تحظى الصومال بتغطية إعلامية سيئة تركز على المجاعة والإرهاب واللصوصية، لكنها ليست بلداً يضم بشكل أساسي قراصنة متطرفين جوعى.

تعيش الصومال اليوم مرحلة إعادة اكتشاف نفسها، وقد انتخبت حديثاً رئيساً جديداً واعداً، هو محمد عبدالله محمد، الذي يحمل الجنسية الصومالية والأميركية وشغل فيما مضى منصباً في دائرة النقل في بلدية بافلو بنيويورك، إلا أنه يواجه اليوم ضغوطات هائلة في سبيل الحصول على نتائج ملموسة على الصعيدين الاجتماعي والعسكري.

وتصر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على اتباع نهج القوة الضاربة في حالات مثل هذه، ليس هناك من تنمية مستدامة في وضع تسود فيه حرب الجميع ضد الجميع، لذا قامت طائرات أميركية من دون طيار بالتحليق فوق الصومال وساعدت الولايات المتحدة في تدريب الجيش الصومالي، وتسود شائعات تشير إلى إمكانية قيام محمد بعمل عسكري لإظهار قوته.

ولابد لأي حسابات عقلانية تتعلق بالمصالح الأميركية أن تشمل خيرات الشعب الصومالي، حيث يعتبر ربع الشعب، أي ما يزيد على ثلاثة ملايين صومالي بحاجة ماسة إلى المساعدة. الفقر واليأس لا يولدان الإرهاب، لكنهما يساهمان في فشل الدول، ونشر أجواء الفوضى بما يتيح للإرهاب الازدهار والانتشار. تشكل الصومال أولوية، حيث الأمور آيلة للتفاقم. فإذا ما استمر الجفاف، سيجتاح مئات الآلاف من الصوماليين الإضافيين مناطق مثل بيودا، وسيندرج عشرات آلاف الأطفال في خانة المصابين بالخطر المحدق الذي يهدد بالمجاعة والموت.

غالباً ما تميل الكوارث المحكومة بوقت محدد بالزلازل والأعاصير بأن تسفر عن مكارم مركزة. إلا أن الكابوس المتكشفة فصوله ليس بأقل رعباً، حيث نسمع عبر جنوب السودان وشمالي نيجيريا واليمن والصومال أصواتاً مكمومة تدريجياً بدل صرخات الاستغاثة الملحة.

من الظواهر المرعبة في بيدوا لقاء الأطفال المصابين بسوء التغذية تعج بهم المستشفيات المكتظة والحارة وسط أطباء وممرضين ينفثون الدخان. بعض أولئك الأولاد أضعف من أن يتمكن من البكاء، إلا أن ثغاءهم المكتوم أصعب صوت قد تسمعه يوماً.

يتعين أن تحظى مساعي الأمم المتحدة وباقي الجهات المتبرعة بقليل من الدفع لتقديم المزيد. وكل من يجد هذا الطلب قابل للاعتراض إيديولوجياً، وكل من يؤمن بأن حكومتنا لا ينبغي أن تتجاوب، لا يزال بمقدوره إظهار السخاء للجماعات الخاصة والدينية التي تشكل خط المواجهة الأمامي في المنطقة.

يصعب كثيراً وصف مدى المعاناة في الصومال، حيث ربع السكان يصارعون الجوع واليأس، في مشهد يستدعي أكثر من مجرّد جرعة من العطف. إنهم يحتاجون لعمل وتعاطف مستدامين ومتعنتين بقدر استدامة القحط وتعنته.

Email