سلوم

يوم أدبرت

ت + ت - الحجم الطبيعي

يوم أقبلت يت بشعرة تنقادي

                  ويوم أدبرت سلاسل قطعت ما فادي

لا يخلو مجتمع من تراث أدبي اجتماعي، يقوم باختزال الحكمة في ذاكرته الشعبية التي صنعها من خلال تضاريسه الاجتماعية التي يعيش بها كل مجتمع حسب احتياجاته، التي هي أساس ثقافته وأدبه وأساس المعرفة لدى ذلك المجتمع، وهذا ما توضحه جملتنا اليوم، التي وزنها من أطلقها على نظام الشعر، ليسهل حفظها وتداولها، وبالتالي، الاستفادة منها (يوم أقبلت يت بشعرة تنقادي ويوم أدبرت سلاسل قطعت ما فادي).

والمقصود بها الدنيا، ولهذا البيت من الشعر قصة جميلة، توضح أن الأمور والرزق لا يأتي بالتمني، وإنما هي إرادة الله، فإن كتب لك الرزق، جاءك من حيث لا تدري، وسيقت لك الدنيا بشعرة، وكلنا يعلم مدى ضعف الشعرة.

وأردف قائلاً إن الخير أو الرزق إذا أدبر عنك بأمر الله، فإن أية قوة في العالم لا تستطيع أن تساعدك بالاحتفاظ به.. وهنا ضرب مثل بأن الحديد لا يفيد في إبقاء ذلك الرزق عنده.

وقصة هذا البيت من الشعر، هي: أنه في زمن الغوص، كان هناك أحد الغاصة، وغالباً ما يكون الغاصة هم من طالبي الرزق، أي من الناس الذين يعملون لتوفير قوت عوائلهم، والغوص كان من أهم تلك الأعمال لساكني الخليج العربي بشكل عام، ودبي بشكل خاص، وقد التحق ذلك الشخص بإحدى السفن في عرض الخليج، التي ذهبت لرحلة الغوص على اللؤلؤ.

وفعلاً بدأ الغوص، وكان صاحبنا أحد أمهر الغاصة، ورجلاً يعمل بجهد وجد.

وفي يوم من الأيام وهو يزاول مهنته ويلتقط الأصداف من قاع البحر، وكان يوماً لم تكن فيه الرؤية واضحة لاضطراب البحر، وكان يجب عليه أن يقرب وجهه من القاع بشكل كبير، لكي يتمكن من رؤية المحار، الأمر الذي ساعد على التصاق إحدى الأصداف (المحار) في لحيته، ولم ينتبه لها حتى ظهر على السطح، فقرر أن يفتحها بنفسه.

وإذا بالمفاجأة التي يتمناها كل الغاصة (الدانة). وهي أكبر وأغلى لآلئ الخليج. وقد جرى العرف على أن من يحصل على دانة، يكون له جزء كبير من قيمتها، ولكنه أخفاها عن (النوخذة) واحتفظ بها لنفسه.

وقد تم له ذلك، وقرر بعد بيعها وحصوله على المال، أن يصنع سفينة لنفسه، يذهب بها إلى الغوص، ويكون (نوخذة) ويستأجر الغاصة، وبالتالي، يكون تاجر لؤلؤ، وكل ذلك من خلال شعرة في لحيته، جلبت له تلك المحارة التي نقلته من (غيص) إلى (نوخذة)..

وفعلاً، اتفق مع أحد صناع السفن على صناعة سفينته الخاصة، ودفع ثمنها كاملاً من تلك (الدانة)، التي نقلته من الفقر إلى الغنى في لحظات، وعندما جهزت السفينة، ودخل موسم الغوص، وضعها في البحر، تمهيداً لتجهيزها للرحلة، وانتهى من حجز طاقمه من غواصين ومساعدين (يزواه) وعتاد الغوص كاملاً.

وقد تم تثبيت السفينة بسلاسل حديدية، كما هو معروف ومستخدم لتثبيت السفن في عرض البحر.

ولكن باهته القدر، وهبت رياح عاتية، فقطعت تلك السلاسل الحديدية، وحطمت السفينة، كونها لا تزال على مقربة من الشاطئ في البحر، ولفظتها من البحر إلى اليابسة، وتركتها كومة من الخشب، وضاع كل ذلك الغنى والعز والحلم الكبير بالثروة في ليلة لم يكتمل ضحاها، فوقف أمام كومة ذلك الخشب بعد أن تبخرت كل أحلامه مبتسماً راضياً قانعاً، فقال جملتنا لليوم:

دنيا (يوم أقبلت يت بشعرة تنقادي

ويوم أدبرت سلاسل قطعت ما فادي)

وهنا صنع لنا مثلاً وحكمة، ستبقى معنا ما دام الإنسان على هذه الأرض الطيبة، ومفادها أن الإنسان لا بد من أن يحذر ولا يغتر بما يحصل عليه، ويقنع بأن الرزق من الله هو من يهبه، وهو من يأخذه، سواء كان مالاً أو ولداً أو أي شيء، يمكن أن يرفع الإنسان به من قدره.

هذا، وللحديث صلة..

Email