خطران يهددان أوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقر عدد من كبار المسؤولين، في الآونة الأخيرة أن صدمتي البريكسيت وصعود نجم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ترغمان أوروبا على التعامل مع إشكاليات شائكة أدت بالبريطانيين إلى الانسحاب من بوتقة الاتحاد الأوروبي.

فما إن انطلقت عمليات استطلاع الرأي التي أظهرت أن المملكة المتحدة قد ترغب بالبقاء تحت جناح الاتحاد، حتى سارع المحللون الاستراتيجيون البارزون في المفوضية الأوروبية للإشارة إلى إدراك التكتل ضرورة إدخال تغييرات جوهرية تبقيه على ارتباط بحياة الشعوب.

جادل مسؤولون من المستوى الرفيع من فريق رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بأن الاتحاد الأوروبي أصبح أكثر انفتاحاً وديموقراطيةً، وعلى ثقة بأن المستقبل يجب ألا «يكون منوطاً بالضلالات أو تقرير المصير من خلف الأبواب الموصدة.»

ذروة تعقيد انسحاب المملكة من الاتحاد تجلّت بأوضح معانيها في الأسبوع المنصرم، بالتزامن مع مقاربة الحكومة للوكالة النووية للاتحاد الأوروبي الغارقة في الفوضى وسط مؤشرات غير مبشّرة عن اقتصاد بريطانيا المنتكس بفعل البريكسيت، وعقب إعلان البرلمان الأوروبي عن إمكانية نقض المقترحات الافتتاحية لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.

من المقرر أن يدلي الوزراء كذلك بآرائهم حول القضايا الأساسية بشأن قانون البريكسيت قريباً، فيما يعرف بقانون الانسحاب معلناً بداية عامين من النضال لتريزا ماي بغية تمرير واحد من أعقد البرامج التشريعية في تاريخ بريطانيا، وعلى خلفية متزعزعة للغالبية في مجلس العموم مدعومة بالحزب الديمقراطي الاتحادي.

تشير كل من آن ميتلر مديرة الاستراتيجية السياسية في فريق يونكر، ونائب الرئيس بأول سويدبودا كيف أنه بعد «عقد من الأزمات»، أعاد الأوروبيون اكتشاف التفاؤل وباتوا مستعدين لتحسين أوضاع التكتل.

يتطرقان على وجه التحديد إلى الفوضى المحيطة بقرار المملكة المتحدة المتعلق بانسحابها من الاتحاد الأوروبي ومسألة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة واعتبارهما لحظتين زعزعتا أوروبا.

فيما يتعلق بالأزمة السياسية الثنائية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة، أوضحا: «إذا كان هناك أحد يتساءل ما الذي قد يفضي إليه الانسحاب من أوروبا أو إضعاف التعددية، فقد بات الأمر جلياً للجميع، بدءاً بارتفاع وتيرة المخاوف اللصيقة بالاستثمار، ودرجة غير معروفة حتى الوقت الراهن من الانقسام داخل المجتمع، وصولاً إلى النتائج العرضية السياسية المحتملة لدول تشتهر عالمياً بوصفها منارةً للديمقراطية والحرية».

يضيفان: «يسود الآن إحساس عميق بأن الأوروبيين مستعدون، بعد أن حظوا بلمحة عن البديل، للاستثمار في مشروعنا المشترك، ويدركون بأن التفكك والديمقراطية غير الليبرالية والشعبوية تمثل خطورة شديدة تضرب بالعمق تقاليدنا الديمقراطية كالحرية والتسامح المكتسبين على مرور العقود، والذين اعتبرا في وقت من الأوقات بديهيين».

كانت المسارات المختلفة قد أدرجت في ورقة صدرت في مارس، قبل أيام فقط من طرح ماي للمادة 50، وقد حملت عناوين عريضة، وكتب المسؤولان في فريق يونكر في هذا الصدد يقولان: «خلافاً لما كان يحصل في الماضي، لم تعلن المفوضية بنفسها أيا من تلك السيناريوهات الخمس يعتبر المخطط السياسي المفضل لديها. ولا يعود ذلك إلى الانتخابات التي تشهدها عدد من بلدان أوروبا، بل لتفهم المفوضية بأن مثل تلك الخيارات السياسية الجوهرية يجب ألا تخضع للتضليل أو تقرر من خلف الأبواب الموصدة».

في مؤشر مبكر على أن الحكومة قد أصدرت ربما حكماً خاطئاً حول مدى صعوبة البريكسيت، فقد واجهت ثورةً مطردة إزاء قرارها الانسحاب من الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية، «أوراتوم».

لا تسهم مشكلات بداية رحلة المفاوضات إلا في تعكير المزاج العام أكثر، سيما بعد أن وصف منسق عمليات البريكسيت في البرلمان الأوروبي جاي فيرهوفشتان الاقتراحات الأولية لماي المتعلقة بضمان حقوق مواطني دول الاتحاد الأوروبي بعد انسحاب بريطانيا بـ «المزحة الثقيلة»، وقال إن أعضاء البرلمان الأوروبي مستعدون لإصدار حق النقض الفيتو إزاء أي اتفاق مع بريطانيا.

إلا أنه وآخرين بمن في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيرلندي ليو فارادكار أقروا بأن الأبواب لا تزال مفتوحة إذا ما رغبت بريطانيا بالتراجع عن قرار الانسحاب.

وأعرب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك بأن لا يزال يحدوه الأمل بردّ البريكسيت، مشيراً إلى طلب أصدقائه البريطانيين البحث عن السبل الآيلة لوقفه.

وردّ توسك على هؤلاء بالقول: «لقد أخبرتهم بأن الاتحاد الأوروبي قد تأسس في الواقع على أحلام بدت مستحيلة التحقيق. لذا من يعرف؟ قد تعتبرونني حالماً لكني لست الوحيد».

Email