قطر والفكر المتطرّف

ت + ت - الحجم الطبيعي

غضب العديد من المغردين على تغريدة نشرها حساب تويتر الخاص بفريق التواصل الإلكتروني لوزارة الخارجية الأميركية باللغة العربية، عندما نشر كلمات الرئيس الأميركي ترامب حول ما أسماه «الإرهاب الإسلامي المتطرف»، موضحين خلال ردودهم الغاضبة أن الإسلام بريء من الإرهاب، وأنه بعيد كل البعد عن التطرف، وهذا صحيح.

ولكن ما علاقة ترامب أو من يمثلهم من الأميركيين أو من الدول الغربية بهذه الردود الغاضبة، فما يصل إليهم من الإرهابيين الذين يزعمون الصلة بالإسلام أعمال تهدد أمنهم وسلمهم، والمحرك الأساسي لها فتاوى مفتيي الظلام الذين يزعمون بدورهم أنهم دعاة مسلمين، إذاً المشكلة ليست بكلمات ترامب، ولا هي بمفهوم الغرب عن الإسلام، إنما هي تكمن بمفهومنا نحن الخاطئ كمسلمين عن ديننا ومقوماته.

هؤلاء الغاضبون لم يلتفتوا إلى ما تقوم به بعض دول المنطقة من دعمها للإرهاب؛ فدولة قطر مثلاً تبنت الفكر الإخواني، ولكنها لم تستطع أن تصرح به علانية، بل عملت بكل جهدها على قتال المسلمين ممن يخالفون فكرها؛ أولاً في سبيل نشأة خلافتها المزعومة، لتنطلق من بعدها إلى العالم أجمع، ولهذا نجدها قد بددت أموال شعبها، وما رزقها الله من خيرات من أجل دعم الأحزاب السياسية المتطرفة والإرهابيين، ودفع الرواتب لمتشددين لتوسع نفوذها وتحقيق أهدافها الخبيثة.

وأيضاً هؤلاء الغاضبون لم ينظروا إلى دولة إيران بمسماها البروتوكولي «الجُمهورية الإسلامية الإيرانية»، التي جوّعت شعبها، وجعلت ثلثيه تحت خطر الفقر من أجل تصدير ثورتها خارج حدودها، ونشر الفوضى والفساد في جميع بقاع الأرض بتجنيد المليشيات لقتال المسلمين ممن يخالفونهم في عقيدتهم.

قطر وإيران تمارسان الدور نفسه في العالم، والفارق الوحيد أن قطر تخفي نواياها خلف ستارة الدولة المتقدمة المنفتحة على العالم لتمول الإرهاب بطرقها الخاصة «من تحت الطاولة»، أما إيران فهي واضحة العدائية تجاه الغرب والمسلمين المخالفين لها فكراً وعقيدة، فالعقيدة لدى الدولتين ومن شابههما من أحزاب وجماعات واحدة، وإن كان هناك بعض الفروقات الصورية.

لذا، هناك ثلاثة أسباب للإقدام على إجراء عملية تجميلية. الأولى؛ أن يتعرض شخص لحادث يصيبه بتشوهات، ويجب عليه إصلاح ما أفسده الحادث، والسبب الثاني ما يقوم به العديد من الناس من تحسين للجمال كما يصفونه، وفي كلتا الحالتين تتبدل الهيئة لتصبح أكثر جمالاً.

ولكن كيف السبيل لإجراء عملية تجميلية فكرية نصلح بها الشكل والمضمون لمفاهيم خاطئة لم تتشكل بسبب حادث عرضي إنما نتيجة تراكمات تفسيرية أو مساحيق التجميل التي لم يضعها المتخصصون كالفتاوى الجاهلة التي خرجت من أفواه دعاة الفتنة.

فبالرغم من الأسلوب الراقي الذي شكّله الله تعالى لمفهوم «الجهاد»، إلا أنه وللأسف استُغل قديماً وحديثاً في استخدامات خاطئة جعلت منه وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية، وتبدل بذلك من وسيلة للحماية والدفاع عن الدين والأرض والعرض، ليصبح تكتيكاً تحفيزياً للإرهاب وعملياته الإجرامية، أما السبب الثالث الذي يجبرنا على إجراء عملية تجميلية هو أن يكون قد ولد مشوهاً، وحاشا لرسالة الإسلام أن تكون كذلك.

ألا يحتاج مفهوم الجهاد الراسخ في عقول المسلمين إلى عملية تجميلية نزيل بإثرها ما شكلته السنون والفتاوى الخاطئة المغرضة؟! ولكن يبقى السؤال الأهم؛ هل ستكون عمليتنا التجميلية كفيلة بأن تمحي ذكريات مؤلمة أصابت أبرياء جراء الاستخدام الخاطئ لأنبل معاني الإسلام؟

يحارب العالم بأكمله الإرهاب والوقوف على أسبابها للقضاء على الآفة التي تحصد الأرواح، ومن واجبنا نحن كوننا مسلمين أن نُعيد صياغة موقفنا من الرافض إلى المانع لأي فكر متطرف أو ممول لهذا الفكر، لذا لا بد لنا من إعادة البحث في التفاسير وما جاءت به آيات الله تعالى من حق، يحاول المتطرفون العبث فيه وجعله متماشياً مع قناعاتهم لكسب صف المؤيدين والمقاتلين، ففي ظل الصراع على السلطة تم تسييس مفهوم الجهاد وحصر معناه بالقتل والقتال، وهذا عمل عليه الإخوان ومن عاونهم لنشر هذا الفكر وتعميمه، ومهاجمة من يخالفهم في الطرح.

لذا لا تلوموا ترامب، ولا تلوموا الغرب على ما وصلهم عن ديننا من صورة مشوهة، بل ألقوا اللوم على من يقوم بدعم وإيواء الإرهابيين ودعاة الفتنة، ومن يتبنى الفكر الإرهابي، أما صورة الإسلام اليوم فهي بحاجة إلى عملية تجميلية تصحيحية تُعيد صياغتها من جديد، لتعيد ديننا إلى الصورة التي أرادها الله ورسوله، وليس كما أرادها الطغاة ومفتي الإرهاب والفتنة.

اللوم ليس على ترامب، بل علينا نحن كوننا مسلمين لأننا بقينا صامتين طويلاً عن قول الحق، فانتشر دعاة الجهل والتجهيل، وأصبح لهم دول تقودهم وتدعمهم، وتؤمن الحماية لهم.

 

 

Email