ارتكاب الخطأ الفادح

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم أن القنبلة الذرية التي ألقاها طيار أميركي على هيروشيما اليابانية، قد أوقفت الحرب العالمية الثانية، وأجبرت اليابان على الاستسلام، فإن الطيار نفسه يعترف بأن ذلك المشهد كان مروعاً بحق. كيف لا، وهو قد حصد بقنبلته وقنبلة ناغازاكي أرواح ما لا يقل عن 150 ألف شخص أبرياء، وهو عدد هائل آنذاك، فضلاً عن الأمراض التي ما زال يعاني منها اليابانيون إلى يومنا هذا.

هذا القرار، أو «الخطأ الفادح»، الذي أذهل العالم، ما زال يثير مخاوفنا. وهذا الأمر هو الذي دفعني لعدم التردد في قبول دعوة لحضور ورشة عمل خاصة نظمتها منظمة «VCDNP» في فيينا، مع منظمة «أتوميك ريبورترز»، حيث تحاولان تنوير نحو 20 كاتباً ومراسلاً صحافياً من الشرق الأوسط، بخطورة إعادة كارثة هيروشيما، وهي ليست ببعيدة عنا. فلو ألقيت، مثلاً، قنبلة ذرية بحجم كرة قدم على دولة صغيرة كقطر أو الكويت، لا قدر الله، فهي كفيلة بأن تبيد الشعب بكامله في بضع دقائق.

والأخطاء الفادحة ليست مرتبطة بالجرائم النووية فحسب، فهناك من يبيد شعباً بكامله أو قرى عن بكرة أبيها في لحظة غضب، ولا يجد رادعاً، كما فعل صدام بالكيماوي الذي سحق به سكان حلبجة، وخطيئة غزوه للكويت، الذي قلب به موازين المنطقة، ثم اتضح أنه كان قراراً فردياً أيده ثلة ممن حوله. وأباد هتلر وجنكيز خان شعوباً أخرى بالطريقة نفسها.

ونظراً لجسامة الأخطاء وتداعياتها، سواء كانت سياسية أو تجارية أو إدارية، فلا بد أن تضع المنظمات والدول، قوانين ولوائح تمنع الفرد من أن ينفرد بالقرار. هذا ما تفعله البرلمانات حينما تمنع شن الحروب، إلا بالحصول على إجماع برلماني مثلاً. وهذا ما تفعله كبريات الشركات العالمية، حينما تضع لائحة للصلاحيات المالية والإدارية، لا يمكن أن يتخطاها المسؤول إلا بموافقات محددة أحياناً.

وكذلك تفعل المؤسسات حينما تقيد القرارات المصيرية، أو صرف مبالغ كبيرة بتوقيع أكثر من شخص. ولأن بعض القرارات بطبيعتها تحتاج إلى تأنٍ ودراسة وبحث وتمحيص، فإن متخذ القرار يتوقع منه، أياً كان منصبه، أن يتأنى أو يستشير أو يؤجل أو يشكل لجنة فنية لتزوده بالرأي الفني، شريطة أن يأخذه بعين الاعتبار. لكن المشكلة تكمن حينما يصم هذا المسؤول أذنيه عن ناصحيه، وتقع الفأس بالرأس بسبب تسرعه أو تعجرفه، وذلك لأنه لم يجد من يحاسبه أو يوقفه عند حده. ولذا، كان من الطبيعي أن يوجد بيننا من يرتكبون أخطاء فادحة، لأنهم يعلمون أن المحاكم لا تطالهم، وأن القوانين لم توضع إلا لتأديب المغلوب على أمرهم، ممن تعلق عليهم شماعة كل خطأ فادح ارتكبه مسؤولوهم.

هذا باختصار ما يجعلنا مواطنين نرتكب أخطاء تلو الأخرى، ولا نجد من يردعنا. نحن لا نقصد من يخطئ خطأ اجتهادياً بسيطاً ويتعلم من أخطائه، لكننا نقصد أولئك الذين يرتكبون الخطايا الجسيمة، ولا يجدون من يقف لهم بالمرصاد، ويلقنهم درساً في معنى تحمل المسؤولية.

Email